من يملأ الفراغ الذي خلّفه رحيل ياسر عرفات ؟؟

بقلم تيسير نصرالله / عضو المجلس الوطني الفلسطيني .

لنعترف بدايةً ، أن ياسر عرفات لا يعوّض ، وأنه لن يتكرر في التاريخ الفلسطيني ، وأن الشعب الفلسطيني لن ينجب شخصية كرازماتية كشخصية ياسر عرفات التي حظيت بإحترام العالم أجمع ، وشكّلت عبر أكثر من أربعين عاماً حضوراً دولياً وإقليمياً نادراً ، وتمتعت بصفات عظيمة وبقدرة هائلة على التجدد والخروج من المآزق والأزمات، وواصلت العمل ليل نهار ضمن برنامج مرهق ومتعب، وتدخلت في تفاصيل الحياة اليومية للشعب الفلسطيني ، ومسكت بيدها كل خيوطه وأوراقه، وعرف العالم الشعب الفلسطيني من خلال كوفيته ، فيكفي أن تقول ياسر عرفات حتى يعرفك العالم أنك فلسطيني ، ويكفي أن تلبس كوفية ياسر عرفات في أي دولة في العالم لتصبح مناضلاً ومناصراً للقضية الوطنية الفلسطينية.

          لا شك أن رحيله المفاجئ شكّل صدمة كبيرة للفلسطينيين عموماً ولكافة أحرار العالم تحديداً، وأن غيابه عن المسرح السياسي الفلسطيني والعربي والعالمي يكاد لا يصدّق ، رحيله خسارة كبيرة ، خاصة في ظل إختلاط الأوراق الداخلية والخارجية ، فمن ذا الذي يستطيع ترتيب هذه الأوراق بأقل الخسائر وبما يخدم القضية الفلسطينية ؟؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يجمع تناقضات الشعب الفلسطيني بحكمة ياسر عرفات ؟؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يصمد امام كل التحديات التي واجهت ياسر عرفات خلال اربعين عاماً دون أن تهتز له إرادة ؟؟

وبغياب ياسر عرفات عن المسرح السياسي الفلسطيني تغيب الرمزية التي شكّلتها شخصيته الفذة ، فليس بإمكان أي شخصية فلسطينية أن تكون رمزاً للفلسطينيين ، فالرمزية لا تأتي بقرار وإنما تفرضها الوقائع التاريخية والأحداث والشعب .

ويبرز السؤال المشروع :- من ذا الذي يستطيع ملء الفراغ الذي تركه رحيل الرئيس عرفات ، واكاد أجزم أن أحداً في الشعب الفلسطيني لن يحل محل ياسر عرفات ولن يستطيع أن يملأ هذا الفراغ الهائل الذي خلّفه رحيل هذا القائد التاريخي . ولكن التحدي الكبير الذي يواجه الفلسطينيين بعد رحيل زعيمهم هو كيفية بناء المؤسسة الفلسطينية القادرة على مواجهة التحديات وملء الفراغ ، فلقد كان ياسر عرفات لوحده يشكّل النظام السياسي الفلسطيني ، كان مؤسسة متحركة ، بغض النظر عن ملاحظاتنا الإنتقادية على ادائها ، وإختلافنا معها، وليس عليها، في بعض التكتيكات والسياسات وقرب هذا الشخص أو ذاك منه.

إن التحدي الكبير الذي فرضه الرحيل المفاجئ لياسر عرفات هو كيف نبني المؤسسة الفلسطينية الديمقراطية الجماعية التي يشارك فيها الكل الوطني، وتوزّع فيها الأدوار والمسؤوليات والمهام ، دون إستئثار احد بالمسؤولية لوحده، وإنما إقامة نظام ديمقراطي على أسس عصرية وحضارية ، أساسه المشاركة بصنع القرار عبر الإنتخابات الحرة والنزيهة ، والتي تعقد بشكل دوري وفق المصلحة الوطنية الفلسطينية وليس تحت ضغوط اجنبية . هذه المؤسسة يجب أن تكون ذات شفافية لا يشوبها شائبة ، بعيدة كل البعد عن الفساد والإنتهازيين والمتسلقين الذين علقوا بمرحلة ياسر عرفات ولعبوا دوراً هدّاماً ومسيئاً له ، وكانوا أحد المآخذ الكبيرة عليه وعلى مرحلته.

إن شعبنا أحوج ما يكون الى مؤسسة حقيقية ، لبناء دولة ديمقراطية قادرة على الحياة ومواجهة المخاطر المحدقة ، وتحقيق الحلم الذي مات ياسر عرفات قبل تحقيقه . إن ورشة الإصلاح التي دعا إليها الرئيس الراحل عرفات في آخر خطاب له في المجلس التشريعي الفلسطيني يجب أن تبدأ وعلى كل الصعد والمستويات ، ولا بد كذلك من تصويب المسار السياسي والإقتصادي والأمني والإجتماعي وإزالة كافة المظاهر المسيئة لشعبنا من محسوبية وفساد وإستغلال للمنصب وهدر للمال العام .

          إن رحيل ياسر عرفات يجب أن يشحذ همم الفلسطينيين ، وأن يشعل في نفوسهم حب العمل ومواجهة التحدي وبناء الوطن على أسس المشاركة الجماعية والإخلاص والإنتماء الصادق ، وأن نرسّخ مفاهيم جديدة للولاء للوطن وليس للأشخاص ، فالأشخاص يذهبون ويموتون ولكن الوطن يبقى حياً لا يموت، ولا بد لشعبنا من قول كلمة الحق مهما كانت صعبة ومرّة للمسؤول، فلا خير فينا إذا لم نقلها ولا خير فيه إذا لم يسمعها ويعمل على تطبيقها، وعلينا أن لا نخشى في الله لومة لائم ، فلقد علّمنا التاريخ أن الأحرار هم وحدهم الذين يبنون الوطن الحر .

إن أول خطوة في برنامج التحدي الذي يخوضه الفلسطينيون تكمن في إنجاح الإنتخابات الرئاسية والتي ستجري في التاسع من كانون الثاني عام 2005م، وكذلك الإنتخابات البلدية والقروية واللجان الشعبية للخدمات في مخيمات اللاجئين ، وصولاً الى إنتخابات المجلس التشريعي والمجلس الوطني وعقد المؤتمر السادس لحركة فتح ، وإنتخاب هيئات جديدة وشابة للإتحادات الشعبية الفلسطينية المختلفة ، تشمل المرأة والعمال والمعلمين والفلاحين والمهندسين والطلاب وكافة القطاعات الشعبية الأخرى ، وذلك كمقدمة في عملية إعادة بنائها من جديد على أسس ديمقراطية من أجل توحيد أجسامها في جسم واحد وإنهاء حالة التشرذم والتفتت التي تعاني منها منذ عودة قيادة السلطة إلى أرض الوطن عام 1994م.

إنّ ورشة الإصلاح الفلسطينية يجب أن تشمل جميع مناحي الحياة داخل المجتمع الفلسطيني ، مؤسسات مدنية واهلية ، وسلطة حكومية وأجهزة أمنية ، فهل نحن على قدر التحدي؟ وهل نحن جاهزون كي نبدأ من الخطوة الأولى لنقول للعالم أن وفاءنا لياسر عرفات يكمن في السير على نهجه وخطاه وسياسته التي لم تفرّط بأي حق من حقوقنا الوطنية وأهدافنا المشروعة. 

20/12/2004م

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com