الهروب من "فتح"

بقلم :- تيسير نصرالله .

       عضو المجلس الوطني الفلسطيني . 

قبل أكثر من عام كتبت مقالاً بعنوان " الأزمة في فتح .. الى أين ؟" ، وحاولت أن أشرح أسباب الأزمة ودرجة خطورتها وكيفية الحل ، وخلصت بنتيجة آنذاك أنه لا يوجد حلاً سحرياً لمشكلة فتح ، وإعتبرت أن الخيار الديمقراطي هو أنسب الحلول ، بمعنى ممارسة العملية الديمقراطية من القاعدة الى القمة لإختيار قيادات جديدة للحركة وضخ دم جديد في جسدها المترهل والمريض لإعادة الروح إليها ، وتذرع البعض بعدم إمكانية ممارسة هذا الخيار على أرض الواقع نتيجة إنشغال الحركة بيوميات الإنتفاضة ، ولكن الحقيقة المرّة عكس ذلك تماماً وهي ان قيادة الحركة تخشى من ممارسة الديمقراطية نفسها لاسباب اصبحت معروفة لا داعي لذكرها الآن .

 وما دفعني للعودة من جديد بتناول حركة فتح بالبحث والتحليل أمران :- الأول هو تهديد كتائب شهداء الأقصى في بيانها الصادر بتاريخ 24/10/2004م بالخروج الجماعي من فتح . والثاني هو الإعلان عن تشكيل الملتقى الثقافي الديمقراطي الفلسطيني بنفس اليوم الذي أصدرت فيه الكتائب بيانها بالخروج من فتح .

هذان الأمران إستوقفاني كثيراً ، حاولت الربط بينهما ، إن كانت هناك علاقة ما في التوقيت والأهداف ، فلم أجد . وأعادتني الذاكرة إلى الوراء قليلاً ، حين هددّ بعض مئات من أعضاء الحركة بالإنسحاب منها قبل مدة من الزمن إذا لم يتم البدء بإصلاحات حقيقية في هياكل الحركة . لم يعر أحد من مسؤولي الحركة أي اعتبار لهذا التهديد .

وها هي اليوم تعود الأزمة في فتح بثوب جديد ، يحمل في طياته خطورة كبيرة سيهدد مستقبل الحركة وسيضعف من دورها الريادي ، إذا ما نظرنا الى الدور التاريخي والهام الذي لعبته الحركة في التاريخ الفلسطيني المعاصر ، وقيادتها العمل النضالي الفلسطيني خلال السنوات الأربعين الماضية .   

الفارق الشاسع

إن تهديد كتائب الأقصى بالخروج من فتح جاء بفعل تراكمات في عدم إستجابة قيادة الحركة لمطالبهم وفي النظر إليهم بإستخفاف حسب ما جاء في بيانهم ، ولا أعرف أي قيمة ستكون لفتح بدون الكتائب ، والتي بحق أعادت الوجه الحقيقي والمشرق للحركة خلال سنوات الإنتفاضة الحالية ، وحافظت إلى حد ما على جماهيرية الحركة وقدرتها على منافسة الفصائل الأخرى في الساحة الفلسطينية ، خاصة بعد شطب الجناح العسكري للحركة " العاصفة " من الوجود بعد خروج الحركة من لبنان عام 1982م. إن خذلان الكتائب كبير من قيادتهم السياسية ، فهم يرون الفارق الكبير بين الظروف الصعبة التي يعيشونها والخطر المحدق بحياتهم ليل نهار وتعرّض قياداتهم إما للتصفية أو للإعتقال على أيدي سلطات الإحتلال الإسرائيلي ، وبين البذخ والأمان الذي تعيشه قيادتهم . شتان ما بين الأمرين ، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير على الأزمة .

إعلان الفشل والهروب إليه

بينما الأمر الثاني فهو الملتقى الثقافي ، وحين إستعرضت أسماء المشاركين فيه وجدت أن الغالبية العظمى منهم هم من أبناء الحركة ، ومنهم من يتبوأ مواقع قيادية فيها ، وكان بإمكانهم أن يساهموا من داخل الحركة وبحكم مواقعهم في عملية الإصلاح الداخلي ، ولكنني وجدت أن بعضهم من مؤيدي وثيقة جنيف ومهندسيها ففاقد الشيء لا يعطيه، وبعضهم قريب من الكتائب والى وقت قريب كان يحمل مواقفهم ووجهة نظرهم . وإختلطت عليّ الأمور والتساؤلات حول هذا الخليط الغير متجانس أو المتجانس ، لا أدري ، وسألت نفسي هل هذا الهروب الجماعي من الحركة هو للتحضير للمرحلة المقبلة " مرحلة الإنتخابات " أم أنه إعلان رسمي وواضح بتأكيد الفشل ، لهؤلاء ، بإمكانية معالجة الأمراض المزمنة التي تعاني منها الحركة ، أم أنه وسيلة ضغط جديدة لفرض شروط ما على قيادة الحركة الحاضر الغائب في كل شيء. وإن كان هذا الملتقى الناشئ لم يعلن عن نفسه بعد حزباً جديداً في الساحة الفلسطينية ، إلاّ أن مسار الأحداث سيتجه لاحقاً لتحقيق هذا الهدف ، وإن لم يعلن أصحاب المشروع ذلك لا بالتصريح ولا بالتلميح حتى الآن. ولكن يبقى السؤال المطروح :- من الذي سيفرض موقفه السياسي هل هم أصحاب وثيقة جنيف أم الآخرون في الملتقى؟؟

الأزمة مستمرة والحل مفقود

إذن نحن أمام مظاهر علنية لأزمة فتح  ، لم تعد خافية على احد ، وقد تأخذ اشكالاً أخرى بالتفكك والإنقسام ، وكل ذلك متوقع طالما هياكل الحركة مشلولة ، فحتى اللجنة الحركية العليا لفتح في الضفة الغربية والتي كانت الجسم القيادي الناظم لأبناء الحركة في الداخل تم تهميش دورها تدريجياً بعد إعتقال أمين سرها مروان البرغوثي، ولم نعد نسمع عنها شيئاً، لتتلاشى نهائياً بعد إنضمام غالبية أعضائها للملتقى الجديد ، والذين ، على الأقل من وجهة نظري ، ساهموا في موتها والتآمر عليها بعد أن نال بعضهم مناصب عليا في السلطة الوطنية الفلسطينية .

إن هذه الأمور تفرض على كادر حركة فتح وجسمها العريض التمسك بالحركة ،  والبحث من جديد على وسائل ضغط من شأنها المساهمة في إنجاز المشروع الديمقراطي من داخل الحركة وليس من خارجها ، فالحركة ملك لكل الشرفاء فيها ، وبإمكان الكل المناضل التعبير عن رأيه وحرصه ، والمطالبة بعقد المؤتمر السادس للحركة ، والذي هو المكان المناسب والوحيد للإتفاق والإختلاف ، للتقييم والنقد ، للخروج من مرحلة والدخول بمرحلة جديدة ، لصياغة برنامج سياسي يتلاءم مع المرحلة أو يختلف معها . آما الهروب من الحركة فلن يزيدها إلاّ ضعفاً على ضعف وتشرذماً على تشرذم .        

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com