مفهوم "تمكين اللاجئين"، وحق العودة

*أنور حمام

إذا كان المقصود بالتمكين هو امتلاك القوة من قبل الفرد ليصبح عنصرا مشاركا بفعالية في مختلف مجريات الحياة الاجتماعية والسياسية والإنتاجية والمعرفية، وصولا الى تنمية حقيقية تنطلق من الفرد كمجال خصب للاستثمار، فان مفهوم تمكين اللاجئ بهذا المعنى يثير ومنذ لبدء جملة من الإشكاليات حول الهدف من التمكين، فهل المقصود بتمكين اللاجئ هو تعزيز قدراته التعليمية والبيئية والحقوقية ليصبح أكثر قدرة على ممارسة حقه بالعودة، أم أن المقصود بالتمكين هو توفير الحماية التي كان من المفترض أن يحظى بها الفلسطيني كلاجئ أسوة بباقي حالات اللجوء بالعالم، أم انه لا يتعدى تحسين وضعه الاقتصادي وصولا لحل سياسي يقضي بتنازله عن حقه بالعودة وبالتالي يصبح التمكين أداة طيعة باتجاه دمج اللاجئ وتوطينه، وخلف مفهوم تمكين اللاجئين تقف رؤى ومواقف متناقضة وتخدم مواقف سياسية بالأساس.

1-المواقف المتناقضة من التمكين:

- الموقف الإسرائيلي: درجت إسرائيل على الدوام على رفض مسئوليتها التاريخية عما حدث للاجئين، وبالتالي فهي تنادي بضرورة تحسين أوضاع اللاجئين اقتصاديا كحل يمكن أن ينسيهم مشروعهم القائم على أساس العودة، ورأت بوجود المخيم كمكان ضد حلمها بشطب حق العودة، وهنا يبرز التمكين كمحاولة تنسجم مع تجاوز الحقوق بالعودة واستعادة الممتلكات، بل تقتصر الرؤية الإسرائيلية لتمكين اللاجئ على ضرورة دمجه عبر مشاريع اقتصادية وتحسين لأوضاعه المعيشية، وينطلق الموقف الإسرائيلي للتمكين كذلك من رفض مطلق لمسألة العودة كحق لما قد يثيره من خطر يمس الديمغرافيا وشكل الدولة الإسرائيلية وطابعها، وبخصوص الموقف من دور وكالة الغوث فإسرائيل لا ترى في الوكالة إلا كونها مؤسسة أوجدها المجتمع الدولي من أجل القضاء على أحلام اللاجئين بالعودة عبر تحسين أوضاعهم وتمكينهم من الاندماج في الحياة في مجتمع اللجوء، وترى إسرائيل أن على الوكالة أن تلعب عبر برامجها المختلفة دورا في تعزيز ثقافة التعايش والتطبيع والقبول بالأمر الواقع، وعدم إقحام نفسها بأي شيء قد يدفع اللاجئين نحو المطالبة بحقوقهم السياسية. 

- موقف اللاجئين أنفسهم: يرى اللاجئون أن تمكينهم هو أساسا مفهوم يجب أن يرتكز على امتلاك للقوة قانونية التي توفر لهم الحماية وتحسين قدراتهم الاقتصادية والتعليمية كأدوات ضرورية لتعزيز المطالبة بحق العودة واستعادة الممتلكات، وهنا يشدد الفاعلين في مجال العودة على عدم معارضتهم لأي تنمية أو تمكين أو تأهيل شريطة عدم المساس بمسألة الحقوق، رغم أن اللاجئين وبسبب حذرهم الشديد قد عارضوا لعقود مضت  الخطط التنموية باسم الاحتفاظ "بحق العودة"، واعتبروا خدمات الأونروا حقاً لهم حتى يتم تنفيذ العودة، ولعل ذلك عزز منهج الإغاثة الذي تتبعه الوكالة على حساب إحداث تنمية حقيقية في بيئة اللاجئين، وتحديدا في المخيمات ولكن تدريجيا أصبح اللاجئون يتبنون مواقف أكثر مرونة نحو فكرتي التنمية والمشاركة، والتمكين، وأصبحت أعداد متزايدة منهم ترى أن تحسين ظروف المعيشية، وخصوصا وضعية المسكن في المخيمات لا يؤثر على حق العودة ولا يشكل إعادة توطين دائم لهم.

 وفيما يخص مسألة تمكين اللاجئين وتحسين لأوضاعهم وتأهيلهم، فهي مسألة عادة ما فهمت على نحو سيئ لدى الكثير من اللاجئين بأنها محاولات لجعل اللاجئين أكثر قدرة على الاندماج في محيطهم الاجتماعي في مجتمع اللجوء، ولفرض حلول تقوم على التوطين والتعويض بدل العودة، ومن هنا كان تشكيك اللاجئين المبرر أحيانا والغير مبرر أحيانا أخرى في كل المشاريع التي أقامتها الوكالة، فقد شكك اللاجئين وخاضوا نقاشا فيما بينهم منذ العام 1952 حول مسألة بناء غرف الوكالة وما إذا كانت ستصب في التوطين، والآن يبدون حذرا ونقاشا معمقا حول مسألة طرح أفكار كتوسيع المخيمات أو إقامة مخيمات جديدة، أو برنامج تطبيق السلام، أو المشاركة أو عدمها في الانتخابات المحلية

- موقف الدول المضيفة: تختلف الدول المضيفة فيما بينها حيال موضوع اللاجئين وتأهيلهم وتمكينهم، وهذا الاختلاف عائد لخصوصية كل دولة سياسيا واجتماعيا وطائفيا، فدولة كلبنان نظرت لتمكين اللاجئين كخطر ديمغرافي يهدد تركيبتها الطائفية، فالتمكين قد يصب بتحسين الأوضاع وبالتالي الاندماج، ومن هذا الفهم تأتي سلسلة الموانع أمام اللاجئين في عملية وصولهم لأسواق العمل والسلطة أو الموارد.

- موقف الدول الغربية:  عادة ما نظرت هذه الدول لتمكين اللاجئين كوسيلة لمنع حدوث كوارث قد تنجم عن تحركات اللاجئين وبالتالي الأضرار بمصالح هذه الدول، وبالتالي النظر لوكالة الغوث ودورها في تمكين اللاجئين وتحسين قدراتهم كعامل استقرار للمنطقة.

وترى هذه الدول أن للوكالة جانب خدماتي وليس سياسي، رغم أن الوكالة بتمويلها ما هي إلا انعكاس لإرادة دولية ذات ارتباطات سياسية بالأساس، وقد بدأت هذه الإرادة الدولية تتكشف تدريجيا بعد سنوات من تعثر عملية السلام حيث أصبحت أكثر ضغطا باتجاه حل قضية اللاجئين على أساس طرح أفكار جديدة فيما يخص مسألة العودة، من هنا جاء الدعم لوثائق كجنيف ومبادرات أخرى بين شخصيات فلسطينية وإسرائيلية.

2- الحاصل تهميش بدل التمكين

عمليا لم تجلب العملية السياسية ومفاوضات التسوية تحسنا لأوضاع اللاجئين في المخيمات ولا خارجها، بل بقيت المخيمات الفلسطينية على وجه التحديد خارج حدود البرامج المطروحة لتنمية وتطوير الوضع الفلسطيني، وتمكين اللاجئين، وتعاني المخيمات من ضعف التدخل الفاعل من قبل الوكالة التي لا زالت غير قادرة على تفعيل وتطوير برامجها التي ظلت عاجزة عن الخروج من إطار الإغاثة نحو تنمية حقيقية لواقع اللاجئين، بل أن هناك تراجعا على مستوى البرامج والتمويلات والإنجازات والحلول، وأيضا تعني المخيمات من ضعف تدخل السلطة الفلسطينية التي لطالما نظرت لنفسها كدولة مضيفة متحللة بذلك من أي جهد تنموي حقيقي موجه داخل المخيمات، وبقي تدخل دائرة شؤون اللاجئين تدخلا محكوما بقلة التمويل، رغم كون الدائرة هي المرجعية والإطار السياسي الذي أطر رسميا كل الوجود اللاجئ في فلسطين وخارجها، كل ذلك يأتي مترافقا مع  تراجعات مهمة تصيب الحياة داخل المخيمات وتمس كافة الجوانب الصحية وتفشي الأمراض، وتلوث المياه واختلاطها في معظم المخيمات بالمجاري، وتراجع التحصيل العلمي، وبقاء مسألة المسكن والاكتظاظ بدون أي حلول فاعلة، كل ذلك يترافق مع فقر شديد وما ينجم عنه من مشكلات اجتماعية تمس الأسرة والبيئة والعلاقات داخل حدود المخيم، وتطور الأمور باتجاه النظر للمخيمات كمرتع للمشاكل والخروقات القانونية، وكملاذ آمن لأصحاب التجاوزات( كتجار السيارات المسروقة وتجار السلاح) وضعف تدخل السلطة داخل حدود المخيم خوفا من ردود فعل قد تحرك اللاجئين باتجاهات غير مدروسة، ومما لا شك فيه أن لدى المخيم طاقة شبابية هائلة ولكن يتم استغلالها على نحو سيئ من قبل أطراف ومراكز قوى داخل مجتمعنا الفلسطيني، وعادة ما ينظر لهؤلاء الشباب كأدوات طيعة بيد من يستغلهم، ويتعاظم هذا الاستغلال بحكم تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة في صفوف هذه الفئة.

3- التمكين النابع من ديناميكية اللاجئين 

          هذه الصورة وان كانت تدعو للتشاؤم، إلا أن اللجوء والمعاناة عادة ما يكونا قادرين على تطوير قوى فاعلة وإيجابية بمختلف المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية، ويحركا ديناميكيات جديدة لها علاقة بالحقوق والتمسك بها، ولا أدل على ظهور لجان الدفاع عن حقوق اللاجئين كعائدون سوريا ولبنان وفلسطين، والمراكز الثقافية والبحثية والجمعيات التي عادة ما تكون خيرية تحمل اسم مدن أو قرى في فلسطين المحتلة عام 1948، ومن داخل هذه القوى الجديدة داخل مجتمع المخيم بدأت تظهر بوادر وعي جديد وثقافة جديد تدور حول العودة كحق، وخلق روابط مع كافة اللاجئين في الشتات، وظهور تحالفات داخل أوساط اللاجئين، وتتضح قوة هذه الهياكل الجديدة من حجم ردود أفعالها ونشاطاتها في كافة المواضيع التي تخص المخيم، ولا أدل على ذلك من تبلور جسم تنسيقي تحت اسم الائتلاف الفلسطيني لحق العودة، والذي يضمن في أحشائه الغالبية العظمى من الهياكل الفلسطينية الفاعلة في مجال العودة في كافة أنحاء العالم.

 الديناميكية الداخلية للاجئين تجعل من التمكين كمفهوم يقوم على أساس النظر للاجئين باعتبارهم فئة مهمشة تعاني الإهمال وبحاجة الى التدخل من أجل تطوير قدراتهم، وقوتهم، ومشاركتهم  ليصبحوا مسيطرين على حياتهم وعلى الخيارات المطروحة أمامهم، والتمكين بخصوص اللاجئ يجب أن يطال كذلك مجال الحماية لهم كلاجئين، وتوفير المشاركة الحقيقية لهم للوصول الى  الفرص المتكافئة والوصول الى أسواق العمل وتحسين التعليم والصحة والمسكن، وبهذا المعنى يصبح التمكين مدعما للعودة لا وسيلة لفرض حلول تتجاوز الحقوق القانونية والإنسانية والتاريخية، وأيضا لا بد من التأكيد على أن البحث بدور الوكالة في تمكين اللاجئين يجب أن يكون واعيا للاختلافات حول المفهوم، ودور الوكالة في تمكين اللاجئين يجب عدم النظر له بسذاجة من قبل الجهات ذات العلاقة بقضية اللاجئين، بل هو دور محكوم بتمويلات وهذه التمويلات مرتبطة بسياسات ودول، ولا بد من النظر لتمكين اللاجئ كمفهوم من خلال جملة المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والسكنية.

أخير

لقد برهن اللاجئون دوما أن مسألة العودة لا يمكن لها أن تشطب ويقفز عنها بمجرد تحسين الأوضاع الاقتصادية-التي لم تتحسن أصلا- حيث يلاحظ أن مبادرات الدفاع عن حق العودة تأتي وبشكل مثير للانتباه من قبل تجمعات فلسطينية لاجئة في أوروبا والولايات المتحدة، وهذا الأمر يضع حدا لمقولة الحل الاقتصادي على اعتبار أن مسألة العودة تنطوي على أبعاد قانونية وثقافية واجتماعية ونفسية غاية في التعقيد، ولها ارتباطات تمس الوعي والمقدس والتربية والتاريخ وحقوق الإنسان، ومسألة العودة تحمل بداخلها قوى ذاتية قادرة على تحريك أعداد هائلة من البشر باتجاهات قد تكون خارج حدود المرسوم والمطلوب إقليميا ودوليا.

* باحث في سوسيولوجيا اللاجئين

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com