انتفاضة الأسرى الفلسطينيين

التوقيت والأهداف والحرب النفسية

 * بقلم غسان خضر

التوقيت الصعب

أثار الإضراب المفتوح عن الطعام الذي أعلنه الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الإحتلال الإسرائيلي ردود فعل متضاربة ومتناقضة من حيث التوقيت والأهداف ، ومدى قدرة الأسرى على تحقيق مطالبهم في ظل أوضاع محلية وإقليمية ودولية متوترة ، وإنشغال الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام المختلفة بأمور تتعلق بما يجري في العراق وأفغانستان والإنتخابات الأمريكية القادمة ، وفي ظل حكومة إسرائيلية موغلة في التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني ، وإستمرار عدوانها عليه بكل ما تملك من وسائل بطش وقتل وتدمير وغطاء أمريكي وصمت دولي ، إضافة إلى ذلك كله ، وهو الأهم ، الوضع الداخلي الفلسطيني وحالة التسيب والإحباط التي يعاني منها وإنشغال الشعب الفلسطيني في قضايا داخلية تثير إنقساماً وجدلاً بين أوساطه السياسية وفصائله الوطنية والإسلامية . ورب سائل يقول : هل هذا هو الوقت المناسب لخوض الأسرى إضرابهم المفتوح عن الطعام الذي بدأوه في الخامس عشر من شهر آب الحالي ؟

مبررات الأسرى 

          ولما كان الأسرى هم الذين أيديهم بالنار الإسرائيلية وبجحيم مصلحة السجون الإسرائيلية فإنهم هم وحدهم الذين يعانون من جرّاء سياسة سحب ومصادرة حقوقهم كأسرى والتنكيل بهم واقتحام الغرف والأقسام والإعتداء بالضرب والغاز المسيل للدموع عليهم وإمتهان كرامتهم والتفتيش العاري الإذلالي وعزل قادتهم ورموزهم في غرف وأقسام العزل الإنفرادي والإهمال الطبي وفرض الغرامات الباهظة والأحكام الخيالية عليهم ، عدا عن سوء نوعية الطعام وقلة كميته ، والإكتظاظ الذي تعاني منه السجون ، والنظر بإستخفاف لخطواتهم الإحتجاجية السابقة ، وسوء معاملة إدارة السجون لهم ، والتحريض المستمر ضدهم من أعلى الهيئات الإسرائيلية المسؤولة في الحكومة الإسرائيلية .

          لا أحد يستطيع إحتمال معاقبة الإنسان لنفسه بحرمانها من الطعام بدون أسباب ومبررات مقنعة ، وبعد استنفاذ كافة أساليب الإحتجاج الأخرى ، ولو لم تكن أوضاعه أسوأ بكثير مما ستكون عليها بعد إضرابه عن الطعام .  فالإضراب عن تناول الطعام هو الخيار الأخير بالنسبة للأسرى لإسترداد حقوقهم المسلوبة وتحسين شروط حياتهم ولإيصال رسائل لإدارة السجون بأنهم ما زالوا قادرين على إستخدام أسلحتهم الإستراتيجية في الوقت الذي يريدون ولتحقيق المطالب التي تحفظ لهم حقوقهم وتعيد لهم كرامتهم . نعم ، إن خوض الإضراب عن الطعام هو خطوة تاريخية لا يلجأ لها الأسرى بدون مبررات غاية في الإقناع ، ولولا تردي أوضاعهم إلى هذا المستوى وعدم قدرتهم على تحملها .

الحرب النفسية

          لقد بدأت الحكومة الإسرائيلية وبلسان وزير الأمن الداخلي تساحي هنغبي شن حربها النفسية قبل أن يبدأ الأسرى خطوتهم الإستراتيجية ، حين صرّح أن الأسرى بإمكانهم الإضراب عن الطعام حتى الموت ، وهذا التصريح هو قمة الحرب النفسية رغم ما يحمل من عنصرية وعنجهية ، ويدلل على أن ما يجري في المعتقلات ضد الأسرى هو سياسة رسمية مبرمجة ومن أعلى المستويات الإسرائيلية في إسرائيل ، وأن ما تقوم به مصلحة السجون ما هو إلاّ تنفيذ لهذه السياسة القمعية . إن الأسرى لديهم خبرة عالية وممتدة منذ عشرات السنين لأساليب الحرب النفسية ولن تنطلي عليهم ، ولكن إسرائيل توجه حربها النفسية والإعلامية ليس فقط للأسرى وإنما للشعب الفلسطيني خارج أسوار المعتقلات وللرأي العام الدولي ، حيث حاولت أجهزة إعلام العدو الإسرائيلي إظهار الأسرى بأنهم من يقودوا العمليات المسلحة داخل الأراضي المحتلة ويقوموا بتوجيه الخلايا العاملة من داخل غرف عزلهم ، وذلك بهدف إيجاد مبررات لسياسة القمع التي تتبعها ضدهم لعالم مهووس من رأسه لأخمص قدميه بما يسمى " محاربة الإرهاب " .

          ولعل قيام إدارة السجون بعملية نقل للأسرى ومصادرة الأدوات الكهربائية وحتى السجائر والملح وعدم إيصال الصحف لهم تندرج في إطار الحرب النفسية ، وحتى شي اللحوم بالقرب منهم . كل ذلك بهدف التأثير على معنويات وإرادة الأسرى وعزلهم عن محيطهم وعزل محيطهم عنهم ، لأن الإضراب عن الطعام هو بمجمله صراع وحرب بين الإرادات ، وغالباً ما تخضع إدارة السجون لمطالب الأسرى ، لأنها لن تستطيع الإستمرار بتجاهل ما يجري على الأرض من تضامن مع الأسرى وإحتجاج على ممارساتها ضدهم ، خاصة داخل فلسطين المحتلة عام 1948م وبالقرب من السجون وعلى مسمع من الأسرى المضربين عن الطعام ، وإن أولى خطوات التراجع لدى إدارة السجون هو البدء بالتفاوض مع قيادة الأسرى ، رغم أننا يجب أن نهيئ أنفسنا لفترة من المماطلة والتجاهل قد تمتد لفترة أطول مما هو متوقع وذلك بسبب وجود حكومة إسرائيلية مجرمة تتلذذ بعذاب الشعب الفلسطيني وحركته الأسيرة ولا تعير وزناً كبيراً لحركة الشارع طالما هي تحظى بدعم ومساندة الولايات المتحدة الأمريكية ، بصفتها جزء من " العالم الحر " الذي يبشّر بديمقراطية وحقوق إنسان على غرار ما يجري في العراق وأفغانستان من تنصيب حكومات رغماً عن إرادة شعوبهم ، أو ما جرى ويجري في سجن أبو غريب وغوانتاناموا على أيدي القوات الأمريكية من فظائع يندى لها جبين الإنسانية .

 

الإنجاز الكبير 

          إن الأسرى هم رموز شعبنا الفلسطيني  وطليعته المقاتلة ، وهم يتمتعوا بأعلى نسبة احترام بين صفوف شعبهم ، لذا فليس غريباً أو مفاجئاً هذا الإلتفاف الكبير حول مطالبهم ، أو هذا التوحد خلفهم من كافة فئات الشعب الرسمية والشعبية ، المختلفة فيما بينها والمتفقة ، التي اعتبرت خطوتهم تخدم توجهها الخاص أو التي اعتبرتها عكس ذلك ، الكل يقف في خندق التضامن مع إضراب الأسرى ، والكل اجلّ اجندته الخاصة وغيّر من برامجه المعدة مسبقاً ليلتحم مع الأسرى في معركتهم الخالدة دفاعاً عن إنسانية الإنسان الفلسطيني . لذا فلقد استطاع الأسرى أن ينجزوا وحدة حقيقية داخل السجون وخارجها وان يحققوا أحد أهم مطالب الشعب الفلسطيني بجوعهم ومعاناتهم قبل أن تخضع لهم مديرية السجون الإسرائيلية بتحقيق مطالبهم العادلة . طوبى لهم وحتماً سيكون النصر حليفهم .

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com