عمـر القاســم

في الذكرى الخامسـة عشـر لإستشـهاده

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

4 حزيران 2004

aferwana@gawab.com

www.falasteen.com

 

 

 

مَن لَم يَعرف عمر القاسم ، لا يعرف الحركة الوطنية الأسيرة ... فهو علم من أعلامها ورمزٌ من رموزها ، وأحد بُناتها الأساسيين وكان على الدوام عماداً أساسياً من أعمدتها الراسخة ... فكان في حياته قائداً فذاً ، ومناضلاً شرساً ، وأسيراً شامخاً ، ونموذجاً رائعاً ، وفي مماته شهيداً خالداً و قنديلاًً لن ينطفئ نوره .

نعم هذا هو عمر القاسم لمن لا يعرفه ، بل يعجز القلم عن وصف خصاله وتجف الكلمات حينما تسرد سيرته ، وتنحني القامات تقديراً حينما تتحدث عن بطولاته ومواقفه .

إنه عمر محمود القاسم من مواليد حارة السعدية في القدس القديمة سنة 1940 م ، و تعلم ودرس في مدارس القدس ، فدرس الإبتدائية في المدرسة العمرية القريبة من المسجد الاقصى ، وبعد أن أنهى دراسته الثانوية عام 1958 م في المدرسة الرشيدية الثانوية عمل مدرساً في مدارس القدس ، ولم يكتفِ بذلك بل واصل تعليمه والتحق بالإنتساب بجامعه دمشق وحصل منها على ليسانس الأداب " انجليزي " .

إلتحق شهيدنا بحركة القوميين العرب في مطلع شبابه وكان مثقفاً ونشطاً وفعالاً ومؤثراً بذات الوقت ، وسافر إلى خارج الوطن وإلتحق بمعسكرات الثورة الفلسطينية وحصل على العديد من الدورات العسكرية ، وبتاريخ  28/10/1968م  قرر العودة إلى أرض الوطن وبعد اجتيازه لنهر الأردن وهو على رأس مجموعة فدائية من الكوادر كان هدفها التمركز في رام الله ، لكنها اصطدمت  بطريقها بكمين إسرائيلي قرب قرية كفر مالك ، ولم تستسلم المجموعة وقررت القتال رغم عدم تكافؤ المعركة ولكن وبعد نفاذ الذخيرة تمكنت قوات الإحتلال من أسر المجموعة  وقائدها عمر ، وأخضع هو ومجموعته لتعذيب قاسي جداً  ، ومن ثم أصدرت المحكمة العسكرية على الشهيد حكماً بالسجن المؤبد ، وزج به في غياهب السجون وفي الغرف الإسمنتية وتنقل خلال فترة اعتقاله الطويلة بين العديد من السجون وأقسامها وغرفها .

وبالرغم من قساوة السجن والسجان ، و الشروط الحياتية القاسية ، والمعاملة اللاإنسانية إلا أنه لم يستسلم للواقع المرير فكان صلباً مخلصاً عنيداً غيوراً وصبوراً كصبر الجمال ، لم يساوم على مبدأ ، وكان من القلائل الذين يمتلكون الثقافة التنظيمية والسياسية والثورية فلعب دوراً بارزاً في وضع اللبنات الأولى لعملية التثقيف التنظيمي والسياسى وساهم بوعيه وثقافته في التعبئة والحشد المعنوي في إعداد الأسرى وفي مواجهة إدارات القمع الإسرائيلية لتحسين ظروف الإعتقال فشارك مع إخوانه المعتقلين في العديد من الإضرابات عن الطعام بل وكان من أبر الداعين لتلك الإضرابات ومن قيادتها ، كما وشارك في العشرات من الخطوات الإحتجاجية ، ونسج علاقات  قائمة على الإحترام فحظى بإحترام الجميع ، ففرض نفسه بقوة على الساحة الإعتقالية بأخلاقه وسلوكه وحفر إسمه بحروف من نور بمواقفه البطوليه وغدى القاسم نموذجاً وقائداً ليس لرفاق الجبهة الديمقراطية فحسب ، بل ولكل الحركة الوطنية الأسيرة ....

نعم القاسم هو القاسم المشترك ما بين الأطياف السياسية للحركة الوطنية الاسيرة ، وبعد عملية تبادل الأسرى عام 1985م بين الجبهة الشعبية القيادة العامة واسرائيل والتي لم يفرج في إطارها عن القاسم ، تعرضت الحركة الأسيرة في كافة السجون  لهجمة شرسة من قبل إدارة السجون لسحب إنجازاتها ومكاسبها وكسر شوكتها وإذلالها  ، إلاّ أن القاسم بتجربته الغنية وشجاعته وصمود زملاءه وإصرارهم كان لهم رأي آخر فتصدوا وبحزم وببسالة لذلك من أجل تثبيت تلك المكاسب والتي تحققت بفعل دماء وآلام الاسرى ، وقد كان للقاسم دورٌ قياديٌ مميزٌ في ذلك .

     ومن مواقفه البطوليه عندما قامت مجموعة مسلحة تابعة للجبهة الديمقراطية بتنفيذ عملية " معلوت " في الجليل وإحتلال مبنى ورهائن ، إستدعت إدارة السجن الشهيد "عمر القاسم" ومعه الشهيد " أنيس دولة "  وأخذوهما على متن طائرة مروحية الى مكان العملية وساوموه وطلبوا منه أن يتحدث للفدائيين لتسليم أنفسهم واطلاق سراح الرهائن ، لكن القاسم رفض ذلك وبإصرار ، فإنهالوا عليه بالضرب المبرح وأعادوه كعقاب الى زنازين السجن الإنفرادية  .

عانى القاسم خلال مسيرة حياته خلف القضبان على مدار واحد وعشرين عاماً  العديد من الامراض في ظل سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون حتى كان الموعد مع الشهادة في الرابع من حزيران عام 1989م حينما توقف قلبه عن الخفقات ، وشارك في تشييع جثمانه الآلاف من جماهير شعبنا وقياداته السياسية ودفن في مقبرة الأسباط في مدينة القدس ، كما أقيمت للشهيد مسيرات وجنازات رمزية ومظاهرات عمت أرجاء الوطن وفي العديد من الأقطار العربية ... وبعد مماته ، وأكثر مما كان في حياته إحتل مكانة مميزة في قلوب كل الشرفاء والأحرار وكُتبت له القصائد  والأشعار ، وحملت العديد من العمليات العسكرية اسمه وزينت الشوارع بإسمه وصوره وتغنى ولا زال يتغنى بإسمه المقاتلون ، وإذا كانت الشهادة هي أعظم أشكال التضحية ، فإن الشهادة خلف القضبان يضاف لها عظمة خاصة ، فلهؤلاء الشهداء فينا مكانة... وعلى رؤوسنا نحملهم تيجاناً ... ولسلوكنا نتخذهم نماذجاً .

 

* أسير محرر ويعمل بوزارة الأسرى والمحررين بغزة

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com