مـروان الـبرغوثي

 قمر مطل على سماء إنتفاضتنا

بداية

بين قريته "كوبر" ورام الله رحلة البدايات، شاب تقفز منه بشائر جيل كامل، عنيد، كتلة من قوة وبأس وفطنة وروح  شامخة مليئة بالحب والحياة والعناد وبعد النظر، عيناه تدوران في فضاء بحثاً عن فرصة للانطلاق نحو أفق من الثورة والانتفاض، كان "مروان الشاب" قد أدرك تماما أن الحرية لا توهب ولا تنزل بردا وسلاما على المقاتلين من أجلها، لهذا كان من أوائل من فكروا وعملوا من أجل تشكيل الإطار القادر على تفعيل كافة القوى الكامنة في هذا الشعب، وأدرك قبل غيره بان الشبيبة كجيل طليعي وكفكر وطاقة وبما تحتويه من طلبة ولاجئين وفلاحين ونساء وعمال ومثقفين ومسلمين ومسيحيين، هم الأعمدة الصلبة التي سيبنى عليه الفعل القادم لشعب قرر الانعتاق، وأن الحركة الأسيرة هي بلا شك رافد أساسي من روافد الكفاح الوطني الفلسطيني، وأن الشرعية والرمزية التاريخية لفتح هي روح هذا الجسد الأخذ في التشكل ببراعة وعبقرية وتواصل تدريجي، وكان على يقين بأن رئة هذا الجسد هم الفتية والفتيات الذين آمنوا بربهم وشعبهم وأرضهم، من هنا كان تأسيس لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي في فلسطين، كإطار اجتماعي لديه القدرة على إنتاج الكوادر التي ستصبح صاحبة المبادرة والفعل، و سترفد الجامعات والمعاهد الفلسطينية بخيرة أبنائها وبناتها، الذين هم بالنسبة لمروان  " حملة مشروع الحرية" في وقت كانت كل المحاولات الإسرائيلية تسعى جاهدة من أجل إلغاء المشروع وتغييب الحملة المحتملين له.

بيرزيت ..الأكاديمية

من قال أن بيرزيت جامعة وحسب!، أعتقد جازما بأنها محطة مهمة في تطور وعي مروان ورفاقه، والوعي السياسي الفلسطيني على الإطلاق، هذه الجامعة صعب أن توصف بالكلمات، فهي بدون أدنى شك الأكاديمية الفلسطينية الأولى التي أتقنت تعميم مفاهيم الديمقراطية والعدل والحرية وقبول الرأي الآخر والحب والسلام،  وكانت ولا زالت تمتلك إمكانيات هائلة قادرة على تنمية الوعي والمنهج والفكر لدى الطلبة، بحيث يكونوا قادرين على قراءة الواقع بشكل دقيق ومن ثمة إحداث التغيير المطلوب، وفي بيرزيت تعلم البرغوثي مع زملائه –الذين سيقودون الانتفاضة- الإجابة على إشكاليات النظري والعملي واكتشاف الخط الفاصل بينهما، ببراعة أتقن كيفية تحويل المنهج والفكر الثوري الى ممارسة عملية فعلية بين صفوف الجماهير، وأدرك عكس الكثيرين بان السياسة ليست "فن الممكن"، بل هي "فن التمسك بالحق"، "وفن صياغة الفكر باتجاه إرادة فاعلة "،  وبالتالي اكتشاف المعنى الحقيقي "لسياسة فن الممكن" التي يتحدثون عنها والتي ليست سوى تبرير سيئ للتراجع والتنازل والاستسلام، وفي هذه الجامعة تجلت الإرادة الفلسطينية منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، حيث كان البرغوثي وزملائه شعلة مواجهة ورفض للاحتلال، وفيها صيغ الفكر الجديد لجيل لا يعرف الانكسار، جيل لديه قدرة هائلة الى الانبعاث من جديد، من لا يذكر مروان وهو يلقي بيانات فتح في ساحة المبنى القديم!، جاذبا نحوه العقول والعيون والقلوب، ومن لا يذكر هذا الرجل الذي صوته أعلى من الصوت، وهو يقف منددا بكل المتآمرين والباحثين عن حلول سهلة لقضية شعبنا، وكيف كان يقف حاثا جموع الطلبة على أن يصنعوا تاريخا جديدا، وكما كان يقول دائما " أنه الأوان للخروج من حالة الإحباط وشعور الهزيمة الى العمل كمنتصرين"، وبالتأكيد يبدأ الانتصار عندما يشعر المقاوم بحتمية النصر، وكان مروان نموذجا أخرج نفسه من إطاره الخاص ليحيا الهم العام بكل تفاصيله، لأنه أدرك جيد بأن الجنود أو مقاتلي الحرية في المعارك وساحة الاشتباك يقاتلون من اجل القائد الذي يضعون فيه كل ثقتهم، والقائد يقاتل من أجل الفكرة أو المعنى أو الهدف.

استمر العمل دؤوبا، ليلاً نهاراً، صبحاً مساءً، من أجل تعميم تجربة المواجهة مع الاحتلال، وحتى يتحول الوطن كله بمخيماته ومدنه وقراه الى ساحة واسعة للاشتباك، وحتى يصبح ثمن الاحتلال أكبر من قدرة تحمل المحتل،  وقبل الانتفاضة الأولى بقليل شعر قادة الاحتلال بأن هناك حراك باطني داخل الأرض المحتلة ينبئ بميلاد جديد، لم يدرك الاحتلال بأن هذا الحراك أصبح حركة من الفعل المنظم الذي سيبهر العالم بنموذج الانتفاضة الخالد عام 1987، فأقدم الاحتلال على إبعاد مروان وعدد من زملائه عن أرض الوطن باتجاه منفى سيكون دافعا نحو نضال وبحث عن وسائل جديدة للعمل.

المنفى والإستمرار

كان لقاؤه مع أبو جهاد في منزله بسيدي أبو سعيد برفقة أخيه حسام خضر، حدثهم أبو جهاد عن رغبته بأن يكتب كل منهما عن تجربته، مروان عن تجربة بيرزيت، وحسام عن تجربة المخيم، كان أبو جهاد مؤمناً بأن بيرزيت وبلاطه هي نماذج كفاحية يجب أن تعمم على سائر المواقع الفلسطينية، بعد هذا اللقاء حدد مروان موقعه وماذا سيفعل، سينتقل الى عمان ليؤسس مكتب الانتفاضة، ويبدأ العمل على تصعيد الانتفاضة وتوفير كافة الوسائل لإنجاحها، اختار المكان الأقرب للوطن حتى يكون على تواصل دائم مع أخبار الناس والانتفاضة، كان منزله ومكتبه محطة أساسية لكل الذاهبين والمغادرين من وإلى الأرض المحتلة، ودائما عندما كنت ألتقي به صدفةً في تونس أو عمان كنت أشعر بأن هذا الرجل مسكون بوطن أحبه فاختار العمل من اجله بلا تردد، ومع أنه قضى سنوات طويلة في منفاه إلا أنه كان يتحدث عن بيرزيت ورام الله وشارع الإرسال، وكأنه لم يغب عنها لحظة، ودائم كنت أتفاجئ بأنه يعلم كل ما يحدث أول بأول، فقد كانت قدرته على المتابعة لا توصف.

ولما كان مسكونا بالوطن فقد عمل بلا كلل أو ملل من أجل أن يكون شعار الانتفاضة" لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، مكرس كل الوقت والجهد من أجل أن تغدو الانتفاضة أكثر تنظيما وأكثر قدرة على تحقيق مردود سياسي يليق بتضحيات هذا الشعب ومعاناته، من هنا فقد آمن بكل صدق بأنه مع خيار السلام القائم على مبدأ إعادة الحقوق وإقامة الدولة، ولكن عندما تم الوصول للاستنتاج بأن الاحتلال لن يخرج من الأرض الفلسطينية، وان هذا الاحتلال لا زال مسكونا بالخرافة ومنطق القوة، فقد سارع مروان وقادة الانتفاضة الآخرين الى المضي قدما بخيار المقاومة كأقصر طريق لدحر الاحتلال عن أرضنا ومائنا وهوائنا وأحلامنا.

صوت الانتفاضة

أتدرون أيها السادة والسادات لماذا اعتقل مروان بحق؟ اعتقل مروان لمجموعة من الأسباب، لعل أبرزها إيمانه العميق بخيار المقاومة، فالمقاومة لم تكن شعارا تكتيكيا بنسبة له، بل نهجا مقدسا للخلاص من الاحتلال، واعتقل كذلك لأنه قال "طوبى للسواعد التي تضرب الجنود المحتلين فوق أرضنا المحتلة"، ولأنه اللسان الناطق باسم الانتفاضة والمعبر عن تطلعات هذا الشعب المنتفض، ولأنه أيضا من فك إشكالية فهم العلاقة بين المقاومة والسياسة داخل حركة فتح.

لكن ماذا ظن الاحتلال أن مروان سيقول؟، هل ظن الاحتلال أن مروان سيقول للمناضلين أن السياسة "فن الممكن" فلا تضربوا جنود الاحتلال، هل كان هذا الاحتلال ينتظر ورودا من شباب الانتفاضة، مروان  كسياسي خرج من حدود الصمت الى مساحات الفعل، ومن الشعار البائد الى قوة الحضور المادي المدوي في سماء الانتفاضة، كان الاحتلال يدرك تماما أن مروان قائد سياسي، وليس له أي علاقة بالعمل العسكري ولكنه في ذات الوقت يحظى باحترام المقاتلين والمنتفضين لأنه يعبر بصدق عما يدور في أعماقهم، مروان بفطرته أدرك أن الحرية والاستقلال لها ثمن لهذا قال بكل قوة وصلابة بأنه مستعد أن يسجن ويعذب إذا كان هذا الثمن مقابل حرية شعبه.

أسرى الحرية

من سجنكم الذي سيتآكل يطل أفق على حريتنا، لكل الأسرى،للأطفال الأسرى، وللأسرى في زنازين العزل، والفتيات والنساء الأسيرات الخالدات في قلوبنا، لكم منا السلام كل السلام، ندرك أنكم في عزلتكم المؤقتة تعزلون دولة جائرة في كل بقاع الأرض، أتدرون يتمنى هذا الاحتلال لو تشق الأرض وتأخذكم داخلها، أنتم تحاصرونه من داخل زنازينكم بكل ضراوة وبلا هوادة، لم نسمع أبدا عن أحد يقف يقاضي الاحتلال في محاكم الاحتلال ذاته كما يفعل مروان ورفاقه الأسرى.

لم يدرك الاحتلال بعد بأن الذين صنعوا تاريخا من البأس، مشرقا لشعوبهم، كان لزاماً عليهم أن يمروا بتجربة الاعتقال كمرحلة مؤقتة على طريق النور والحرية والاستقلال، لكننا نعرف تماما بأن الاحتلال كاحتلال عادة ما يعاني من مرض اسمه "ضعف الذاكرة التاريخية"، ولضعف ذاكرته التي لا تخلو من غباء لا بد من استحضار مجموعة من الأسماء التي حفرت نضالها في عتمة السجون لتصبح نوراً وأملاً لشعوب كاملة تمشي بلا تردد نحو الحرية والاستقلال، فمن ينسى منديلا، وبورقيبة، وغاندي، ونهرو،بن بيلا، وكردوزو، وأبو السكر،والديراني وعبيد.

الحديث عن مروان هو حديث عن مئات بل آلاف الأسرى والمناضلين الفلسطينيين، هو حديث يعيدنا لتذكر أسماء متوهجة في سماء انتفاضتنا، ملوح، وركاد سالم، وحسام خضر،وأحمد سعدات، وعويص، والفرنسي، والمصري، ودودين، ويحيى السنوار، وأبو الهيجا، وحسن يوسف، والطويل، وياسر أبو بكر، وأبو علي سلمة، العتبة، وأبو السعود، وعبد الناصر عطالله، وحافظ قندس، وأبو الناجي، ونائل وفخري البرغوثي، وكريم وماهر يونس، ومصطفى قرعوش، ومخلص برغال، وفؤاد الرازم، وسمير قنطار، وتوفيق عبد الله، ورافع ومحمد كراجه، وناصر عبد الجواد، وأسماء أخرى كثيرة أخجل لعدم قدرتي على تدوينها جميعها، لكنها محفورة في ذاكرتنا الجماعية، وهي أسماء لا زالت بحاجة للحديث عنها.

المجلس التشريعي الفلسطيني

ما يميز مروان ورفيق نضاله وسجنه ومنفاه: "حسام خضر" بأنهما عضوا المجلس التشريعي الفلسطيني الأول في التاريخ، وصوتهما داخل المجلس وخارجه كانا على الإطلاق بمنتهى الجرأة في عملية المطالبة بلا كل أو ملل بمبادئ الحرية والعدل وترسيخ مفاهيم الديمقراطية وسيادة القانون، وتحسين الأداء الفلسطيني، وبناء الإنسان والمؤسسة الفلسطينية القادرة على التطور باتجاه أن تصبح الدولة أمرا واقعا على الأرض، ولا غرابة في اجتماعهما في ذات السجن وذات المنفى وذات النضال، ولكن الغريب أن سجنهما بهذه الطريقة التي تتجاوز كل الأعراف والحقوق والاتفاقيات يشكل استخفافا فجا بهذا المجلس وهيبته، بالتالي هما يجب أن يظلا هما يوميا للمجلس، ومن المحزن أن يلاحظ في أيام التضامن معهما غيابا واضحا لزملائهما النواب، وحضور عدد محدود منهم، إن حضورهما كقائدين أسيرين ورمزين شامخين في العقول وفي القلوب يجب أن يترجم فعلا وبقوة في كل جلسات المجلس، والمطالبة بالإفراج عنهما، ويجب أن يكون مطلبا في كل ما ينتج عن المجلس من لقاءات وبيانات وتوصيات وحوارات وزيارات، ومن المؤكد أنهما يستحقان أن تعقد جلسة خاصة للنظر في وضعهما، ومناقشة الاستراتيجية التي سيعمل بها المجلس للدفاع عنهما، حتى يأخذ المجلس دوره الطبيعي اتجاه مسئوليته في التضامن والدفاع والمطالبة بالإفراج عنهما بشكل يليق بهما كقائدين أسيرين.

أم القسام

أخيراً، الحديث عن أسرة مروان وما تعانيه من وجع يومي مفتوح هو أيضا حديث عن كل العائلات التي عانت وتعاني، والتي ودعت وتودع أبنائها يوميا نحو السجون، فأم القسام زوجة كسائر النساء الفلسطينيات الآتي أبكاهن المنفى والفراق والسجن كما لم تبك نساء قط، ولكنهن من الألم من نفس الألم نسجن خيوط مستقبل يشد الخطى نحو فجر مطل على ربيع ولقاء وأرض، ورغم أنهن جميعا لم يحظين باجتماع واحد لكل أفراد العائلة منذ زمن طويل، إلا أنهن بقين دائما على موعد مع الفرح واللقاء والذكريات، رغم ما للفراق من وجع وقسوة وتحد.

ولكن ما يميز أم القسام كزوجة أسير وقائد أنها امرأة فلسطينية حملت ملف الأسرى قبل ملف زوجها، وكانت سفيرة الأسرى في كل مكان باحثة عن متسع من وقت هنا أو هناك للحديث عنهم وعن ألمهم وعذاباتهم وعزلتهم القاتلة، وهي بكل صدق خير مثال على نموذج المرأة الفلسطينية التي هي صاحبت سر وجودنا وبقائنا على هذه الأرض.

لأم القسام ماذا نقول في العام الثاني لخطف مروان والمحاولة الفاشلة لاغتيال خطه السياسي، نخجل من دمعة ساكنة تذرفها ،هل نستطيع حقا أن نصل للحد الذي نكون فيه شاعرين بعمق ما فيها من ألم وعذاب، لا ندري ماذا نقول لها وكيف نواسيها، فهي أم الأسير"القسام" وزوجة الأسير القائد النائب المناضل مروان، أخت المناضلين، هي أكبر من الانكسار لأنها مؤمنة بالله وبهذه الأرض التي عليها ما "يستحق الحياة"  بقدسها وترابها وهوائها ومائها وسمائها وقسوتها ونعومتها، لكن خلف حزننا- حزنك  يسكن لقاء، لم يأت بعد، وخلف اللقاء فرح ونشيد وفجر جديد.

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com