النائب الأسير حسام خضر: عام مضى في سجنك الحجري !

"الاحتلال هو الاحتلال يا رجل، لا يهدي ورودا للفتية العاشقين، بل يقذفهم برصاص ونار وتوابيت وقبور بلا عدد، وجدران وحصار وسجون من حجارة وطين وحديد، وعذابات لا تنتهي إلا برحيل الجنود، والاحتلال هو الاحتلال، قاتل وجبان ومراوغ ولدود وغادر، رسم مهمته الأولى لقتل الأمل في قلوبنا ومشاعرنا وقيمنا التي تعج بالأحلام والفرح والأمنيات، بخبثه الموروث كاحتلال يجتهد ليشوه ما فينا من عفوية وصدق وانتماء، ويشدد من قسوته القاتلة ليوزعنا قبائل وشيعاً وأفراداً بلا بوصلة أو حنين أو أمل أو طريق"

بهذه الكلمات المنسابة كقصيدة نارية سمعت حديثا لحسام ذات يوم عن الاحتلال، وكنت أدرك تماما بأن هذا الرجل اعتاد على حياة العناد والقسوة والعذاب، وكنت دوما المس بين كلماته حنينا ساكنا للسجن رغم عذابه وألمه.

السجن

 فالسجن بالنسبة لحسام واخوته ورفاقه محطة نضالية، ففي السجن والعتمة تم إعداد القسم الأكبر من الكوادر الفتحاوية منذ مطلع السبعينات جنبا الى جنب مع الكوادر التي كان يجري إعدادها في الجامعات والمعاهد الفلسطينية، لتكون هي ذاتها الكوادر نفسها اليوم في مواقع صنع القرار والقيادة والتضحية والفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي الفلسطيني، فالسجن تجربة نضالية خالصة تضع أصحابها في أعلى مراتب السلم الاجتماعي الفلسطيني بعد الشهداء مباشرة، وتجعل منهم موضوعا يوميا للحنين،وكقدوة وكنموذج أعلى وفي أحيان كثيرة كملهمين لغيرهم من اجل الثورة والانتفاض، وفي السياق نفسه اعترافا صارخا لاستمرار الجرح.

روايات عديدة سمعتها عن أسرى فرحوا لأن حسام كان في الفترة التي تم التحقيق فيها معهم، يقولون " أصبحنا اكثر عنادا وأكثر إصرار وأعطانا جرعات صبر من صموده القاسي"، وباعتقادي  كانت هذه الروايات حقيقية، فما سمعناه ونعرفه عن صمود هذا الرجل لا يوصف، رفض الحديث الى محققيه،لم يشرب في مكتب التحقيق كوب ماء أو شاي، ونسي المحققون أن هذا الرجل عدو للسجائر والقهوة، وانه كان يؤمن أن طلب شربة ماء من المحقق ستؤدي الى هزيمة المناضل معنويا، وكان يرفض مجرد الحديث معهم ويسخر من أي حديث ملفق هنا أو هناك، لقد ترجم بحق كل شعاراته التي كتبها في السجن بكراسته التنظيمية " نحن الفاتحون"، وجابه محققيه بإرادة فلسطينية فتحاوية مؤمناً بعدالة قضية شعبه وحريته،وأمانيه.وفي كل الرسائل التي وصلت كريمتيه أماني وأميرة،وولده أحمد كان يحثهم على أن يكونوا أقوياء ومؤمنين بأنهم جزء من ذرات هذا الوطن،وجزء من هوائه ومائه، وكان يوصي أمه "آمنة" بالصبر وتلاوة القرآن والابتسامة كأم يحق لها أن تفخر وتعتز بمجد يكسر القيد بالصبر والنضال المتواصل، فالأسير الفلسطيني جسده معلق بين جدران سجنه وروحه تطوف في أزقة المخيم والمدينة والقرية المنتشرة ثورة ونورا ، هذه الأم  العجوز كمئات الأمهات الفلسطينيات لم تفرح يوما باجتماع العائلة، وتبكي كغيرها من النساء من الفرح الذي لم تتعود عليه، لكنها لا زالت تسبح وتدعو وتصلي مؤمنة صابرة، فهي التي علمته العناد والحب والاندفاع.

وفاءً  للأسرى

الأسير حسام: في عامك الأول في سجنك الحجري نقف كمن يحاول أن يمسك الهواء، ألم لا يحتمل الوصف عندما يمر الأسرى الأصدقاء على البال كآيات متلألئة في سماء انتفاضتنا المتوهجة، ترى كيف أنتم الآن، هل تصلكم أخبار الناس والانتفاضة ورحيل الشهداء اليومي عنا الى الأبدية، ترى هل مر الجدار العنصري من باب زنازين العزل التي  تعيشون فيها منذ أعوام، وهل حدثوكم عن (أبو عماد) الذي مل الحياة بعد رحيل بشير واعتقال ناصر، فاختار بلا تردد واختاره الله شهيدا في المكان العلي، وبسرعة البرق لحقه محمد، أتخيل الآن( ناصر) وهو يحاول أن يتماسك، وكيف يناديه زملاؤه الأسرى من خلف الجدران، ويقيم عزاءه الخاص بصمت رهيب، ويحاول أن يتماسك حتى يكون أملاً لزملائه المعزولين والساكنين في قلوبنا نبضا وحبا.

أيها الأسرى: السلام عليكم كل السلام، نخجل ونحن نقف نطالب بالإفراج عنكم في مسيرة هنا أو هناك، لا يكفي وندرك أنه لا يكفي، ونخجل حين تمر أم أو زوجة أو أخت أو ابن أو ابنة اعتادوا وداع أبنائهم وذويهم نحو القبور ونحو السجون، قدر يحلّق فوق رؤوسهم بالوجع والذكريات واعتصار الألم من "الوريد الى الوريد"، ولكننا نحاول أن نكون لائقين فنرد السلام عليهم بخجل يذبحنا، أو نحاول وضع وردة على قبر يسكننا، ونحاول البكاء فلا نبكي وكأن الدمع تحجر في محاجرنا، هل تغفرون لنا أيها الأسرى انشغالنا عنكم وعودتنا لتذكركم بشكل مفاجئ كمن فقد جزءاً من بين ضلوعه، وهل تعلمون كم من الوقت نقضي نتذكركم في سياق رحيلنا الطويل على هذه الأرض.

الشهداء

أيها الأسير .. أيها الأسرى، حجارة بيوتنا الداكنة وشحت بصور الأكرمين الشهداء الذين أعطونا وصايا الله والأرض والأنبياء المجبولة بالدماء وبالبكاء، وأينما تلتفت ترى صورة لشهيد مر في أيامنا كبرق أضاء نفوساً أكلها الصدأ، فعلى هذا الجدار صورة أبو جهاد،وأبو أياد،والدكتور ثابت،وأبو علي، وعلى الجدار المقابل تسكن صورة الشهيدين جمال وجمال ، وفي نهاية الزقاق يطل حكم أبو عيشة،وقبله بقليل صورة ياسر البدوي ، والطيطي ، وزلوم ، والعمارين ، وعبيات،والدرة، وجوه أخرى كثيرة ترفرف مبتسمة، تشدنا إليها كنافذة مطلة على سماء شوقنا وأمنياتنا، فنحدق فيهم بحثا عن سر الشهادة الذي جمعهم في طقوس،وتردد صلوات وأناشيد وكلمات متوهجة لم يعتد عليها إلا "أولي بأس شديد"، وهنا على هذا الجدار مساحة فارغة بانتظار وجوه جديدة لم تتكشف بعد، ماذا نقول للشهداء، هل نحن بخير وذرات أرضنا بخير نحميها بأحلامنا، أم نقول لهم أن هناك منا من مل "الحلم" وصار يبحث عن أي "وهم" يستبدله بحلمه الجميل بالعودة،والاستقلال، والقدس،والحدود،والمياه،والسماء،والأرض!!.

بين المخيم وبئر السبع جدار يقصم الظهر، خلف الجدار سياج يشوه وجه الأرض،وخلف السياج جنود لم يألفوا المكان، ومستوطنات تسرق عذوبة مائنا،ونقاء هوائنا،وخصوبة أمنا الأرض، وخلف أحلامنا لقاء،وهواء،وماء،وعودة لبنت الصبح،وفجر،وياسمين تتسلق نحو النوافذ،وهديل حمام.

*أنور حمام - باحث في سوسيولوجيا اللاجئين – فلسطين

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com