الى حسام خضر في السنوية الأولى لاعتقاله

  قبل سنوات ليست بالبعيدة عن ذاكرتي، استمعت للمبعد حسام خضر يلقي خطابا أمام جموع الطلبة في جامعة الحقوق بتونس، وبعفوية المناضل الصادق، وبرباطة جأش القائد كان يؤكد للزملاء والأخوة والرفاق من الطلبة التونسيين والعرب والأجانب، بأن الانتفاضة هي أمل هذه الأمة ومستقبلها،  فلسطين على الدوام بوصلة المناضلين، والانتفاضة هي مشروع نضالي وبرنامج حياة ليس بعفوي،بل تم الإعداد له بكل جدية واهتمام، وكان الشغل الشاغل للشهيد القائد أمير الشهداء" أبو جهاد"، والانتفاضة ما هي إلا امتداد لعملية نضالية،وتراكمات تاريخية،ومقدمات واختبارات تمهيدية، وميزة الانتفاضة أنها دخلت كل بيت فلسطيني،ولن تخرج منه إلا بتحقيق الحقوق وكنس الاحتلال، وسألت عنه حينها لأعرف من هذا الذي صوته يسابق الريح، فجاء الجواب من طالب فلسطيني بمعهد الصحافة، مفعم بشيء من الفخر:" هذا الرجل الذي يقف أمامك هو حسام خضر، مبعد من مبعدي الانتفاضة وأحد قادتها، دخل المعتقل أكثر من عشرين مرة، وكان من مؤسسي لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي التابعة لحركة فتح، وهو القائد الذي حول مخيم بلاطة الى قلعة من قلاع فتح العصية على الاحتلال"، ولعل حسام يذكر كيف انتظرته حتى أصافحه، وأدعوه لشرب فنجان من القهوة في بيت عائلتي  "بإريانة" وعائلتي بدورها لم تصدق أن فلسطينيا من أرض فلسطين يزورها، وأتذكر دموع أمي وقولها لحسام "كيفيش أمك سلم عليها، ربي يكون في عونها"، ترى كيف هي تلك الأم التي لم يكن حسام يمل الحديث عنها، أظنها  شامخةً صابرةً مؤمنةً، سلام من كل التونسيين لها، فهي امرأة لم تمل الانتظار، رغم أن الحنين  قد أبكاها كما لم تبك أم قط، ولكنها من الحنين صنعت تاريخا من العز مقاوما بطول سنوات عمرها، تاريخا عنيدا عصياً على النسيان، وصنعت أحلاما بالعودة تتأجج نارها في عروق اللاجئين وبحثهم المتواصل عن مفتاح قديم وشهادة ملكية أرض وجذور الصبار، ومئذنة لا زالت ما بين يافا وتل الربيع.

البارحة كنا مجموعة من الأصدقاء نجلس في قهوة " المرابط " في السوق العربي القديم، سألت عن أخبار هذا الرجل صديقه القديم العائد لتوه من الوطن، فأخبرني بأن حسام لا زال" نمرودا " ولا بأس عليه " على حد وصف "أحمد دحبور، أبو يسار"، وسألته عن أدق التفاصيل، فأخبرني كيف اقتحم الجنود باب داره، وكيف كانت وحشية الاعتقال،وعنف التحقيق،والصمود الذي دخل بردا وسلاما على كل المعتقلين في زنازين الاحتلال، وعلى كل بيت في بلاطة، وجباليا ورام الله والخليل وجنين ورفح وكل الارض الفلسطينية!! وقال لي إن إدارة السجون احتارت في أمره فهي تنقله من عزل الى عزل لكن صوته يخرج فجأة، فيضطرون لنقله الى عزل في سجن جديد، ولازال يرفض أن يحاكم من قبل محاكم الاحتلال ويرفض الاعتراف بشرعية المحكمة هو وصديقه ورفيقه في الكفاح مروان البرغوثي، كقائدين حقيقيين رغم حالة العزل التي هي بالتأكيد الى زوال.

اليوم وبلا وعي وجدتني أقف أمام المنزل الذي كان يسكنه خضر في المنزه السادس، ربما هو الحنين، لا لشيء إلا للبحث عن رائحة من ذكرى ، حاولت جاهدا عصر ذكرياتي معه، كيف كان يمشي، وكيف كان يردد كلمته المشهورة " هذه فلسطين لنا فلنحافظ عليها بالدماء، أظنه اليوم يطير رغم سجنه الذي قارب على الصدأ والذي حتما سينهار أمام قوته، ورغبته الباحثة عن الحرية ، وأظنه يطير رغما عن أنف  ارتفاع زنزانته الهشة أمام هامته المنتصبة دوما، و أظن أنه حول حجارة جدران سجنه الى مدرسة لإعداد إنسان فلسطيني جديد أكثر إيمانا وتمسكا ورغبة وحبا للحياة والحرية والانعتاق. 

حديثي عن حسام خضر هو حديثي عن كل الفلسطينيين المناضلين الذين أعرفهم،والذين لا أعرفهم،الأحياء والذين قضوا بفخر، ويكفيهم فخرا أن قادتهم من أمثال حسام ومروان وملوح وسعدات وحسن يوسف في المقدمة معهم في الضراء قبل السراء، لم يكن كلامهم عن النضال وحتمية النصر والصمود مجرد " حشو كلام"، فها هم يترجمون مواقفهم القديمة واقعا في شوارع المدينة والمخيم والقرية، وعلى جدران سجنهم الحجري، ويسددون فاتورة عنادهم الصادق، وجرأتهم النادرة، ورفضهم للمساومة، وتشبثهم بخيار الجماهير وحقوقهم، ويتقدمون في المحك الحقيقي حين يتراجع الآخرون، ويغبطون الشهداء على الشهادة في وقت وقف فيه كثيرون يحسدون من يقف جنرالا وهميا على شاشة فضائية .

 وكم كان مدهشا أن نسمع موقف خضر ورفاقه القادة من داخل عزلهم وسجنهم موقفا واضحا ساطعا حادا تجاه المبادرات والفتاوى السياسية المهرولة نحو الهاوية، والداعية الى التنازل الضمني عن حق العودة مقابل وعود بدولة جديدة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من حيث طبيعتها، وتكوينها،وحدودها،وجوها،ومائها،ومواطنتها، لكننا نطمئن عندما نسمع تردد صوت خضر ورفاقه القادة وندرك بأن القضية الفلسطينية هي قضية لاجئين وطالما لم تحل هذه القضية فان أبوابا جديدة للصراع ستفتح، وأن القدس هي عاصمة الخلود الفلسطيني، والمستوطنات لا تعايش معها، ومن الأصوات القادمة من داخل السجن لا زال شباب الانتفاضة يستلهمون المقاومة كحق ويشحنون هممهم.

" حسام" .. عام انقضى في سجنك، وما زال صدى صوتك يأتينا، ولا زلنا نحب الاستماع إليك، ولا زلنا عاجزين عن إيجاد كلمة منصفة بحقك، وبحق رفاقك القادة والمقاتلين الشهداء والأسرى، والباحثين عن الخلاص، ماذا نقول لك يا رجل، أتدري صمودك أنت وإخوانك ورفاقك يرفع رأسنا عالياً، لك منا تحية برائحة جامع الزيتون، وياسمين شوارعنا المتسلقة نحو النوافذ، وبحر المنستير الحزين وزيتوننا الصفاقسي الباحث عن قدسية تجمعنا معكم، وسحر الغروب في حمام الشط،وسيدي بوسعيد في مسائنا الحزين، والبحث الشاق في قلاع قليبية،وقرطاج،وسوسة، والحمامات،ومدرجاتها عن الذين ذهبوا بعد "رحيل الجنود"، لتبقى الأرض بسكانها وروحها "تورث كاللغة".

 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com