الحرية لأسرى الحرية

لم تفلح عجول الأضحيات، ولا خرافها، في تخفيف وطأة التأملات الحزينة، في العيد. ففي مساء اليوم الأول، قتل المحتلون، بطريقة بشعة، أربعة من إخوتنا في رفح. وطغت أنباء الجريمة، على كل شيء يمكن أن تتشكل به، بهجة استثنائية قصيرة، في هذا العيد. وفي المساء، جاءنا نبأ إطلاق النظام السوري، لسراح الصديق العميد مصطفى ديب خليل "أبو طعّان" الذي أمضى عشرين عاماً في السجن الشقيق. أي السجن القومجي الأشهر. ولم يكن "أبو طعّان" قد فعل شيئاً، سوى ممارسة حقه، في الدفاع عن النفس، أمام التمرد المسلح، على منظمة التحرير الفلسطينية، الذي خرج من أقبية الاستخبارات السورية!

تذكرت أياماً مع "أبو طعان" من أعزها ـ للمفارقة ـ ذهابنا معاً، لأداء مناسك الحج، في العام 1981 وقضاء أيام عيد الأضحى في صحبة جميلة. ومن المفارقات كذلك، أن هجمة النظام السوري، على منظمة التحرير الفلسطينية، عندما اعتقل الرجل، كانت تحت شعارات التخوين، واتهام قيادة المنظمة، بالتوجهات الأمريكية. اليوم، يُطلق سراح "أبو طعان" مع عدد من سجناء الرأي والموقف، في سياق آخر، أقل ما يُقال فيه، أنه للتجمل والتحبب لأمريكا، بينما قيادة "أبو طعّان" في المقاطعة، مقاطعة أمريكياً وعبرياً وسورياً، ومتهمة بكل الاتهامات!

*   *   *

القائد مروان البرغوثي، الذي تمنينا في العيد السابق، أن يكون اليوم، بيننا وبين أسرته، هو وكل الأعزاء في معتقلات الاحتلال، أمضى هذا العيد في السجن. وليت الأمر ظل ـ مؤقتاً ـ عند هذا الحد، بل زاد باعتقال نجله الأكبر "قسّام" ليكبر رصيد الأسرة، من براهين التماهي مع قضية الاستقلال والحرية، بقدر معاناة فدوى الصابرة الشامخة، التي تعلو على قاماتنا جميعاً. كل قامات الطلقاء، ممن يتناسون مروان، أو يتذكرونه!

أما حسام خضر، فإنه يطوي أياماً أخرى، في السجن، قوياً جسوراً مثلما كان. وليس أدل على صلابة موقفه، الذي يليق به ويجدر بفخرنا، من العزل الراهن، في سجن بئر السبع الصحراوي، ومن منع المحامي من الوصول اليه. فحسام، اليوم، في سجن بئر السبع، الذي عشنا فيه، عندما كان مجرد معسكر اعتقالي كبير، شهدنا بناءه غرفة غرفة، ثم عشنا فيه غرفة غرفة. ولعل حسام الآن، يتأمل الجدران ويستعيد الحكايات كلها، وينسج الأمنيات، أو يرتبها صورة صورة!

أخونا عبد الرحيم ملوح "أبو شريف" يتوغل هو الآخر، في زمن السجن، بعيداً عن أسرته، وعن دوره كقائد وطني. لم تنكسر إرادته، ولم يتبرم من دفع ثمن المواجهة، ولا من جنون هذا العدو، الذي ظن أن بمقدوره، طي تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، لكي تخلو الساحة من القيادات السياسية، المتمسكة بأهداف شعبنا. فـ "أبو شريف" يعلم بأن أيامه في السجن، تضبط إيقاعهها مع أيام الناس في الحصار وفي المعاناة، وأن التسوية الممكنة، لا تكون بدونه، وبدون رفاقه وإخوته، من كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني!

*   *   *

أسرانا هم قادة المستقبل، وهم عناوين الوفاء والصدقية. هم التكثيف الحقيقي لصمود شعبنا كله. ولم نأت على ذكر مروان وحسام وملّوح، إلا لكون أسمائهم ذات دلالات رمزية، تلخص أسماء كل الأحباب بين جدران السجون!

ولا يفوتنا أن نرسل تحياتنا، في هذا السياق، للأعزاء الصابرين في سجن أريحا: الرفيق أحمد سعدات، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والشباب الذين معه، والأخ العميد فؤاد الشوبكي "أبو حازم". ففي احتباس هؤلاء الوطنيين المرموقين، في سجن يرفرف فوقه علمنا الوطني، بموجب أجندة سوداء، لا نعلم تفاصيلها، يكمن تكثيف من نوع آخر، لسطوة الجبروت الصهيوني الأمريكي، الذي لم يفلح المعنيون بالأمر، في العثور على صياغة مضادة له!

*   *   *

أسرانا هم أجدرنا بالحرية. إنهم في الخندق المتقدم. تُعرف من خلالهم، طبائع التطورات، وتُختبر لغة الحكومات، وتُكتشف معاني الكلمات، التي يثرثر بها الطلقاء والمبتسمون ببلاهة أو بتذاكي. وبقدر ما تحضر أسماء أسرانا أو تغيب، يُقاس عمق النصوص والمواقف. فكل عام وهم بيننا. كل عام ونحن جميعاً أقرب الى الحرية!

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com