قيادة حركة فتح تقاوم التغيير

جمال نزال
رياح الشبابية المندفعة التي حملت شراع حركة فتح في الدورة الاولي للمجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد بالقدس عام 1964 الي شاطيء الاغلبية المهيمنة في منظمة التحرير استبسلت منذ النصف الثاني من التسعينيات بهدوء من سكون الشيخوخة ما بعده شيء من عواصف التغيير المحتجبة وراء الزمن.
عجلة الزمن الفتحوي (وذلك ينطبق حصرا علي المتمركزين جلوسا جامدا وعنيدا في المستوي القيادي المعتصم بحبل من تونس التي كانت ولا تزال) متوقف عند عام 1989 وذلك هو تاريخ اخر انتخابات جرت لافراز اعضاء اللجنة المركزية لاكثر حركات المقاومة الفلسطينية قدما في ساحة الحرب اللامنقطعة مع اسرائيل. من يومها الي يومنا ممنوع التجديد الانتخابي ومؤجل كذلك عقد الدورة السادسة لهذا المجلس الكريم.
ذلك الرهط المصون ممن يعتصمون في اطار المجلس يقفون اليوم قانعين بحبة شعير هي ثمرة حصاد الحركة من موسم تضحيات لم يشتركوا فيها قط منذ اشتعال الانتفاضة الثانية قبل الاخيرة القادمة. (هذه لن تكون ضد اسرائيل وحدها). حبة الشعير المقصودة تعادل نصيب فتح من التأييد الشعبي وفق استطلاع اجراه مركز القدس للاتصالات والاعلام اللغز في نتائج هذا الاستطلاع العلمي الذي لا ذنب له يكمن في التساؤل التالي: كيف يجوز ان تحظي حركة فتح التي قدمت حصة الاسد من التضحيات والفعاليات المقاوماتية ابان الانتفاضة بـ28% فقط فيما يعبر 20% من المستطلعة اراؤهم عن ثقتهم بحماس، التي انطلقت بعد ربع قرن كامل من حرب اضطلعت فتح اياها بادارتها؟!
لا ينكر احد ان بعضا ممن يتخذون من الازل حليفا لعضويتهم المزمنه تنكرا لحق الاخرين كانوا قد تخندقوا يوما بجوار شرف التضحية وتحت وابل من قنابل العدو الغازي لبيروت وما حولها عام 1982. ربع قرن كامل مر الان علي زمان ومعطيات ذلك التاريخ وبات الشبان شيوخا والاشبال شبابا في سن القيادة وعنفوان العطاء.
ومنذ اربعة عشر عاما لم يخضع المتشبثون بعضوية اللجنة المركزية (وقد انتحلت هيئة مجلس الاعيان) لمساءلة في سياق انتخابي يتيح فرصة الامساك بالمقود للقادة الحاليين واشراكهم في اتخاذ القرار. مصالح هؤلاء تتقاطع وان يأنفوا هم من موجبات الاقرار ربما هو واضح للعيان مع مصالح المعنيين بتغييب مروان البرغوثي وحسام خضر واقصاء حسين الشيخ وباقصاء مصطفي البرغوثي عن كل الحكومات وبالابتعاد عن الشفافية التي تستوفي شروط امثال حنان عشراوي وعبد الجواد صالح للدخول في الحكومات او باحترام دور البرلمان احتراما يمكن اهل الثقة من امثال حيدر عبد الشافي من العودة الي المجلس التشريعي. المعددة اسماؤهم (لمن لم يلحظ بعد) هم من زبدة المجتمع الفلسطيني وانصار الديمقراطية والمجتمع المدني والمتمسكين بالاصلاح وابعاد المفسدين والفاسدين عن واجهة البيت المحتل مرتين، ذنب هؤلاء هو انهم لا ينتمون الي حاشية تونس وبطانة السلطان التي تفوز دائما بكل شيء سوي شرف الخضوع للمساءلة الحقة واعادة التقييم بميزان الاغلبية الانتخابية هل صدفة ان اغلب اعضاء هذه الجوقة مكرورة الاطلال يستبدلون (بنطقهم) حرفا الظاء و الذال بالزاي و القاف بالهمزة تيمنا بطبع السلطان؟
مسيرة وضع مقاليد الاشياء وسلطة القرار بايدي بطانة تونس المتنرجسة في كرهها واحتقارها للديمقراطية بدأت باتفاق اوسلو الذي حيد مرة والي الابد ذاك الوفد الشعبي الفلسطيني الذي ما كان ليقبل بحلول علي غير اساس الشرعية الدولية. ولمن نسي فان رئيس ذلك الوفد حيدر عبد الشافي قد قال عام 1993 فلتقطع ايدينا اذا ما وقعنا علي اتفاق للحكم الذاتي . ثم جاء (لاكمال القصة المقولة مرارا) وفد المحترفين من تونس واوقعنا توقيعا علي غزة ـ اريحا اولا وهو ما بان الان غزة ـ اريحا فقط . استقالة عبد الشافي جاءت مؤشرا علي ان ذهنية المقاولين الاتين حديثا من هناك ما كانت بعد مجهزة للتعايش مع تطلعات شعب الضفة والقطاع بحكم ديمقراطي يتساوي فيه الناس في دولة الحقوق.
وفي سياق رد علي نداء النائب حسام خضر بضرورة محاسبة الفاسدين وتنظيف السلطة من عبثهم واجراء اصلاحات ديمقراطية نستذكر مقولة السيد ابراهيم ابو النجا نائب رئيس المجلس التشريعي الذي اوضح بتاريخ 2 اب (اغسطس) 2001 القدس العربي ص 5 من عدد 3802 يوم 3 اب (اغسطس) 2001 في معرض تصديه للمطالبة بالاصلاح: ان للمجلس التشريعي اولويات وابرزها الالتفاف حول برنامج مقاومة الاحتلال والمستوطنين.. هناك وقت لاحق سنعالج ـ فيه القضايا الاخري !
ذهنية التأجيل هذه هي التي تجسد الفرق بين الذين يؤمنون بالمساواة المطلقة بين افراد مجتمع مدني المؤسسات بصوت لكل فرد وبين الذين فاتهم في غيابهم التونسي تعلم ابجديات الديمقراطية واستبدلوها بسوط لكل لورد يضرب بهراوة تاريخه النضالي العتيد رأس كل قائد شاب يود تبوأ مكان يريده له اخرون.
دائرة القرار الفعلي الفلسطيني البعيدة كل البعد عن دوائر الحكومة ووزاراتها (انظر خطاب استقالة ابو مازن امام المجلس التشريعي) مقتصرة علي ما هو دون اصابع اليدين من خبراء الامن والمفاوضات الفنادقية العلنسرية من غير المنتخبين..
اصحاب الوجوه المستهلكة مرارا يدخلون (بضم الياء) الي معدة الرأي العام بمدفاش رئاسي ويخرجون منها غير مهضومين. وفي معرض تفسيرهم لحالة الجمود والتخبط الرسمي الفلسطيني يقول عرافون وبعض العارفين ان جوقة التابعين للسلطان بحكم افتقارهم الي الشرعية الانتخابية يسعون بجهد لا يلين الي ابقاء الوضع الراهن علي حاله ويرفضون تجديد الدماء. وما بين سيف عرفات وحظوته هو ساعة من اخر الليل ينزع فيها الي الراحة ويضع كوفيته رمز سلطته جانبا ليخلد الي الراحة بعد يوم عمل طويل. وفي ساعات نومه القليلة تتحول خيول النهار الي حمير مثلما ان طواويس الربيع تعدو دجاجا بلا ريش كما حال البراقات الطيارة وهي تتحول الي بغال بلا اجنحة تطير بها. تحالف هؤلاء الابرار المتجردين من ايجابي الاشياء يقف وراء طلاء الصمغ الذي تتصف به كراسي اولئك الوزراء الذين لا يستبدلون برغم اكوام التقارير التي يقود فيها البحث عن اوكار الفساد الي اسمائهم.
اولئك هم بوصف عدلي صادق المصيب ممن فاحت رائحتهم وممن لم يظهروا اية مواهب او مناقب وممن اصبحوا اثرياء واصحاب عقارات واطيان خلال عملهم العام . (انظر القدس العربي عدد 4502 ص 19 يوم 10 تشرين 2003).
والثابت ان اللجنة المركزية لحركة فتح تحظي بشرف (اعادة) تعيين الوزراء الذين يرفضهم الشعب بوصفهم خيار الشـــعب الذي ينوب كهنة اللجنة المركزية (حسب وصف احد المبالغين بصراحتهم محــقا) عنه في اختيارهم ظلـــما وانفرادا.
ما يميز فتح الحركة يتجسد في كونها اطارا جماهيريا فضفاضا مجتمع افراده علي السير صوب هدف وطني من دون ان يشترط علي احد اجتياز امتحان في علم الماركسية او الاشتراكية او الفقه او تاريخ الاخونجية للحصول علي عضويته.
وفيما يتنرجس منافسو فتح ولعا بتمايزهم الايديولوجي وحصرية الانتساب علي من يرتدي الاخضر او الاحمر ظلت فتح عبر تاريخها ترفض الحصرية مفتوحة القلب لكل شرائح المجتمع الفلسطيني من دون شروط غير الانتماء الصادق لفلسطين توضع علي اعضائها.
اما مجلس اللوردات خاصة فتح ايامنا هذه بعضويته لمن هو دون السبعين من العمر او من يخلو من بضعة امراض جسدية مزمنة تحميه من الاقالة خشية من الاخرين علي حياته ان هو اضطر الي مواجهة الحقيقة. يتم هذا وكأن العضوية جائزة لولاء رفاق في درب السلطان الطويل الذي هو الرئيس المنتخب ياسر عرفات. هذا الرجل الذي يدفع ثمن تمسكه بالحقوق الفلسطينية يجعل حركة فتح تدفع ثمن تمسكه غير المفهوم بوجوه لم ينتخبها احد لتكون في موقع القرار.
لابد من تغيير جذري وشامل علي مستوي القاعدة والهرم في فتح ولا ضرر اطلاقا من تغيير جوهري مواز وعن طريق الانتخابات يطال رأس السلطة التنفيذية ذاتها.
واذا صح الوقوف صمودا في وجه العدو الاسرائيلي فلن يصح الجمود وقوفا رافضا عند حتمية التغيير الصحي التي يفرضها مبدأ المساواة بين الناس. وما لم يستوعبوا هذا الدرس فان جمهور الحائرين في صفوف الشعب سيغدو اكثر تعرضا لهمسات الهواة والمراهقين السياسيين في صفوف حماس وغيرها ممن يقبعون هم ايضا في طور نضوج لا نهاية له ويعجزون بسببه عن التحول الي بديل مؤجل وجاد.
اعيدوا الشبابية لحركة فتح قبل ان يدفع نشطاؤها المخلصون مزيدا من باهظ الثمن لقاء امتيازات قلة آن لها اوان التقاعد والذهاب.
باحث من فلسطين يقيم في المانيا

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com