قراءة في القوى الفاعلة في إطار اللاجئين والمخيمات

إن الحديث في مسائل القيادة والقوى الفاعلة والمكانة الاجتماعية  في إطار مجتمع اللاجئين والمخيمات تخضع الى عديد التداخلات السياسية والاجتماعية التي فرضتها المراحل المتعاقبة  التي مرت بها المخيمات الفلسطينية ، وبالتالي لا يمكن فهم الصراعات والتناقضات والمواقف والرؤى وتوجهات الرأي العام فيما يخص اللاجئين ومستقبلهم  بعيداً عن التطورات التي عاشها اللاجئون منذ العام 1948 والتي مرت بمراحل متعددة وأفرزت قيادات اجتماعية وسياسية وتنظيمية استجابة وتلبية لحاجيات أفرزتها تلك المراحل المتعاقبة .

القيادة الاجتماعية التقليدية  

 تقليديا مثل الوجهاء قادة للرأي العام داخل المخيمات وفي أوساط اللاجئين حيث اعتبر نفوذهم امتداد للمكانة والهيبة الاجتماعية والسياسية التي كانوا يمتلكونها في البلدة أو القرية أو المدينة في مجتمع ما قبل النكبة ، حيث تم إعادة إنتاج نظام العلاقات التقليدية داخل الخيام في  تجمعات اللاجئين كتعبير صارم لرفض المنفى ، ويلي الوجهاء ما يعرف بكبار العائلة الممتدة ،والذين يحظون باحترام وتقدير من قبل الجميع ، إلا أن دور الوجهاء وكبار العائلة الممتدة قد تراجع بشكل ملفت للانتباه كقيادة في أوساط اللاجئين ، حيث كرست فترة الاحتلال بعد العام 1967 شخصيتين جديدتين أصبح لهما الكلمة الأولى في حياة اللاجئين في المخيمات وهما المختار ومدير وكالة الغوث في المخيم ،وهاتان الشخصيتين أنيط بهما كافة المعاملات الرسمية التي تخص اللاجئين من تعليم وصحة وسفر وشكلوا حلقة الوصل ما بين المخيم والمحيط الخارجي .

القيادة التنظيمية في المخيمات 

ولكن ومع ظهور الثورة الفلسطينية والتي لقيت لها امتدادات واسعة  داخل مجتمع اللاجئين  وتطور الوعي السياسي تراجعت الأدوار التقليدية ، واصبح هناك عناصر أخرى فاعلة وهي قيادة الأطر التنظيمية والتي ظهرت كقيادة وقوة فاعلة بسبب جهودها في مواجهة الاحتلال بحيث أصبحت في أعلى السلم الاجتماعي من حيث المكانة الاجتماعية ، هذه المكانة التي تحدد عبر امتلاك رأس مال نضالي متميز ، وهكذا رأس مال يحدد بالانتماء التنظيمي وعدد مرات الاعتقال أو الإصابة أو الشهيد داخل الأسرة ،وأصبحت قيادة هذه الأطر التنظيمية تمثل القادة الجدد الذين ظهروا في المخيمات بسبب جهودهم الفاعلة على صعيد مواجهة الاحتلال ، وبدأت تظهر نماذج نضالية داخل المخيمات كان لها الأثر الكبير على بلورة الانتفاضة عام 1987 ، وربما يمكن القول أن تلك الانتفاضة ما هي إلا إعادة إنتاج لانتفاضة المخيمات والتي بدأت ملامحها تتشكل في منذ أواخر السبعينات وبداية الثمانينات ، وما رافقها من تطور هائل للجان العمل التطوعي للأطر المختلفة التي ظهرت في المخيمات على نحو فريد ،وخصوصا ظهور جبهة العمل التطوعي ولجان الشبيبة للعمل الاجتماعي ، هذه القوى الداخلية شكلت الديناميكية الداخلية التي ستجعل من المخيمات نماذج نضالية بمنتهى الفاعلية ، ولعل ما يحظى به قادة العمل التنظيمي داخل المخيمات قد ترجم عمليا في انتخابات المجلس التشريعي حيث تم انتخاب مجموعة لا بأس بها من هذا الجيل ليصبحوا قادة للعمل السياسي الفلسطيني وخصوصا في موضوع اللاجئين .

ظهور قيادة اجتماعية جديد في أوساط اللاجئين .

 مع بداية العام 1994 أي بعد توقيع اتفاقية أسلو بدأت تظهر داخل المخيمات قوى فاعلة كانت نائمة سابقا وأخرى جديدة لم تكن موجودة أصلا وهذه القوى هي التي تتحكم بالمخيمات وبقيادة الرأي العام داخلها ، وهي صاحبة القوة الحقيقية في أوساط اللاجئين وأي محاولة لتسوية بخصوص اللاجئين لا تأخذ مواقف هذه الهياكل والقوى ستؤدي الى مزيد من الصراع ، ويمكن إجمال هذه القوى في توجهين رئيسين شعبي ورسمي :

1- التوجه الرسمي : والذي يتمثل في كافة المؤسسات  التابعة لمنظمة التحرير

وللسلطة الفلسطينية والتي تهتم بموضوع اللاجئين وهي دائرة شؤون اللاجئين ولجان اللاجئين في المجلس التشريعي والمجلس الوطني ، والمجلس الأعلى لرعاية المخيمات ، كل هذه اللجان تقدم نوعين من العمل داخل مجتمع اللاجئين سياسي وخدماتي ، حيث برز بشكل فاعل دور اللجان الشعبية داخل المخيمات التابعة لدائرة شؤون اللاجئين والتي تلعب دورا قريبا من المجالس البلدية والمحلية ، وتعتبر الجهة الأكثر تمثيلية للمخيمات رغم انه لم يتم انتخابها بل تم تعينها عن طريق التوافق والائتلاف ، وأيضا لا بد من التأكيد على دور لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي والتي سعت من أجل متابعة كافة الجوانب الاجتماعية والسياسية المتعلقة بمجتمع اللاجئين خصوصا كل ما من شأنه أن يعزز  المطالبة بحق العودة ، ومحاربة كل من يحاول التمادي في طرح أفكار تمس جوهر هذا الحق ،والعمل من أجل  تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين .

2-توجه شعبي  : والذي يتمثل في العديد من الأطر الجماهيرية والشبابية والثقافية التي بدأت تظهر في أوساط اللاجئين من أجل العمل على صيانة حق العودة ، وهنا لا يمكن غض الطرف عن  مؤسسات كاتحاد مراكز الشباب ومراكز النشاط النسوية ولجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين وتجمع القرى المهجرة وسنعود والمراكز الثقافية التي أقيمت في مخيمات  بلاطه والدهيشة وعسكر وعايدة ، وتطور العمل المجتمعي لأبناء القرى والمدن التي ينتمي إليها اللاجئون.

القوى الفاعلة وحق العودة

       يتمحور موقف هذه المؤسسات والقوى  بسعيها الخلاق من أجل التأكيد على ثوابت أساسية تخص اللاجئ والمخيم الفلسطيني ، فهي تؤكد مجتمعة على عدم التنازل عن حق العودة ، والذي هو حق فردي وجماعي وسياسي وقانوني وإنساني ،ورفض النظريات الإسرائيلية التي تحاول الالتفاف على حق العودة كنظرية التبادل السكاني بين اليهود القادمين من الدول العربية واللاجئين الفلسطينيين المشردين في هذه الدول ، ورفض أفكار دمج اللاجئين في مجتمعات اللجوء ، وعدم القبول بالتعويض كبديل للعودة ،فالتعويض لا يمكن أن يكون بديل عن وطن بل هو تعويض عن الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت باللاجئين ، ونظرت هذه القوى الفاعلة لوكالة الغوث الدولية بأنها اعتراف بالمجتمع الدولي بقضية اللاجئين وبأن هذا الحق ما زال قائما لم يطوه النسيان ، وربطت مستقبل اللاجئين في الوطن بمستقبل اللاجئين في المنفى والشتات .

الواقعية وحلم العودة

وأخيرا فان كافة هذه الفعاليات والقوى تنادي بشكل واضح حول ضرورة وضع استراتيجية واضحة فيما يتعلق بموضوع اللاجئين ، وعدم القبول بمنطلق الصفقات السياسية كبدائل للحقوق الثابتة ، وعدم اتخاذ أي شيء يتعلق بمستقبل اللاجئين دون استشارتهم هم أنفسهم حول مستقبلهم ، والملاحظ أن الكثير من أفكار التنازل عن حق العودة تحت دعوى الواقعية السياسية تأتي من أوساط أكاديمية لم تعش للحظة معاناة اللاجئين ، وتنظر لهم كأرقام ، فالواقعية التي تهدر وتضحي بالحق الثابت والمكفول قانونيا وإنسانيا وتاريخيا ليست " واقعية " بل هي" وهم " يعيشه أصحاب هذا التفكير الوهمي ، فمن الوهم أن يتنازل ملايين اللاجئين عن "حلمهم التاريخي" من أجل صفقة سياسية لن تجعل منهم سوى لاجئين وعبيد  للأبد ، ولينظر أصحاب التفكير الواقعي كيف أن زيارة شارون للحرم القدسي قد أثارت انتفاضة سالت فيها الكثير من الدماء ، فكيف سيكون الحال لو حرم هؤلاء الملايين من حقهم في العودة ، لا أدري هل الواقعية تحتم عليهم أن ينسوا أكثر من خمسة وخمسين عاما من المنفى ، اللاجئون بقواهم الفاعلة يقولون " اعقدوا  صفقات كما يحلوا لكم ولكن لا تقربوا شجرتنا المقدسة "  .

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com