حسام خضر ..اللاجئ

أنور حمام*

لا يمكن النظر للتجربة السياسية الفلسطينية بعيدا عن كونها تحمل عداءً مفرطاً للنقد حيث لم يتم بشكل مجتمعي فض الاختلاط والاشتباك الحاصل بين النقد والسب، وظلت حالة الخلط قائمة بينهما ، وربما يفسر ذلك إخفاق المحاولات التي سعت لإيجاد حركة نقدية فلسطينية في كافة المجالات، ومن المؤكد أن استمرار ارتباط النقد كمولد للعداء وللعراك لن يفضي إلا الى قراءات مغلوطة وغير واقعية للحياة الفلسطينية بكافة تفاصيلها وتجلياتها، وفي مستوى ثاني فأن التجربة داخل الحياة السياسية الفلسطينية بنظامها وقواعد لعبتها لم تخرج عن نطاق ما نعرفه ونشاهده يوميا في عديد المجتمعات المتخلفة - الناشئة – النامية – أو في طريق النمو من كونها تعاني من طغيان الشخوص والعواطف والشعارات والتجريب والخوف الشديد من النقد كحالة يمكن أن تفضي الى أفق أوسع نحو التغيير.

في السياق الفلسطيني الخالص أيضاً لا يمكن النظر لدعوات كان يطلقها حسام خضر من ضرورة إصلاح البنية الفلسطينية – التي  عانت ولسنوات من مظاهر الخلل في جل هياكلها لأسباب ذاتية وموضوعية على حد السواء – إلا كونها حالة جريئة وعنيدة وأيضا كحالة يائسة ومقلقة له وللكثيرين في آن، وربما ولكونه لم  يحسن التعبير الدبلوماسي اللبق عن مقولاته ولكونه اختار فجاجة التعبير النقدي بامتياز، فان أمرا كهذا جعل من أقواله ومواقفه تخضع لعديد التفسيرات والانتقادات والتحليلات، لكن  أحداً لا يمكنه أن ينكر أن ما دعا إليه ظل مسارا منسجما،عكس الكثيرين الذين دائما كانت مواقفهم وانتقاداتهم مقرونة بمدى قربهم من مركز القرار أو ابتعادهم عنه، وحسب الحسابات الدقيقة لمصالحهم، لكن خضر ظل أكثر انسجاما على ما يبدو مع مواقفه التي أطلقها منذ أكثر من 10 سنوات رغم انزعاج أو رضى أو تكفير أو تهليل العديدين له، وهذا الانقسام والمراوحة ما بين الرضى المطلق لتصريحاته التي كان يطلقها دون سابق إنذار، وبين اعتبار العديدين لأقواله كشعارات عقيمة تحاول أن تنتقد النظام السياسي الفلسطيني مدفوعة بطموح جامح أو برغبة من أجل الشهرة أو العبث أو السلطة

***

وسواء اختلفنا مع مواقف خضر أو اتفقنا ، وسواء كانت مقولاته مندفعة بطموح جامح أو منكسر ، أو مدفوعة برغبة العبث أو بإرادة حقيقية من أجل الفعل، فانه لا يمكن النظر له إلا أحد أهم القيادات الفلسطينية الشابة التي خضعت عملية إنتاجها الى مستويات متعددة كان أهمها حالة لجوء في مخيم شكل هو ورفاقه داخله أحد النماذج المهمة في العمل التنظيمي - الاجتماعي، ففي مخيم بلاطه كان هو نفسه ورفاقه من أسسوا  لجنة الشبيبة للعمل الاجتماعي، كإطار اجتماعي – تنظيمي في مطلع الثمانينات والتي  مهدت الأرضية للتعاطي مع انتفاضة عام 1987 بشكل مميز وفريد، بل إن انتفاضة العام 1987 ما هي إلا إعادة إنتاج لانتفاضة المخيمات التي كانت موجودة أصلا في بلاطة والدهيشة والجلزون وقلنديا وجباليا وجنين وغيرها، وهذه الديناميكية  تبلورت على يد فئة فتية بدأت تبرز في المخيمات والجامعات، وفي مستوى ثاني خاض خضر تجربة طلابية كان إطارها جامعة النجاح الوطنية والتي كرست حالة الوحدة تحت ما عرف بالكتلة الوطنية، وصراع حضاري لائق مع التيارات الأخرى وخصوصا الإسلامية وربما هذا يفسر قوة العلاقة بين خضر وجمال منصور وسليم وربما يمكن القول أن قوة العلاقة هذه حرمت الاحتلال من حالات صدام أكيدة بين القوى الوطنية والإسلامية في مناسبات عدة، وتجربة اعتقال  داخل أقبية وزنازين التحقيق تطاله عشرات المرات، وكان أخرها سجنه الانفرادي المعزول في بئر السبع والذي لا يزال متواصلا منذ شهور ، ومنفى إجباري على شكل إبعاد  شكل هاجس العودة داخله ، وأخير لا يمكن فهم سياق إنتاجه بمعزل عن رفاق دربه من أحباء وشهداء .

وبشكل محايد وبعيدا عن ترهات الصراع التي لا تفضي إلا نحو إنتاج مزيد من البؤس بغزارة،  يجب النظر للرجل هنا كواحد ممن أسهموا بالعمل التنظيمي - الشعبي - الاجتماعي  داخل الأرض المحتلة وخصوصا في المخيمات وكأحد أهم الذين عملوا على موضوع حق العودة، ففي أواسط التسعينات لم يكن أحد يدرك لماذا صمم خضر على تشكيل إطار شعبي خاص باللاجئين ، والذي ترجم عمليا عبر "لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين"، فقد بدأ المشاورات حول تشكيل اللجنة في صيف 1994، وذلك على اثر اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والضبابية التي تناولت فيه الاتفاقية موضوع اللاجئين كانت مبررا قويا ومهما في السعي لإيجاد هكذا إطار، من هنا كانت دعوة خضر لعقد مؤتمر للاجئين لتدارس أوضاع المخيمات واللاجئين، حيث حضر- للمؤتمر الذي عقد في مخيم عسكر - مندوبين عن ثلاثة عشر مخيما من مخيمات الضفة الغربية وعدد من الشخصيات الوطنية اللاجئة القاطنة خارج المخيمات، وقد أفرز النقاش في حينه ضرورة تشكيل ما عرف " بلجنة الدفاع عن المخيمات " والتي تطورت لتصبح "لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين"، حيث انتخب حسام خضر كأول رئيس للجنة، وهذا النقاش قد نم عن وعي عميق حول قضية اللاجئين بأبعادها الإنسانية والاجتماعية والسياسية والحياتية والثقافية، وما أفرزه النقاش أكد وبجدارة على ضرورة حضور المخيم واللاجئ في داخل وعي الخطاب السياسي الفلسطيني اليومي، وضرورة النظر للمخيم كمعطى اجتماعي ثقافي سياسي بحاجة الى الاهتمام والعناية والبحث، وكقضية ذات ارتباطات وجودية وإنسانية وقانونية ودينية وتاريخية.

وللإنصاف فان هذه الفكرة – اللجنة-وما تبعها من أفكار بخصوص اللاجئين وما تشكل من لجان وحملات وأنشطة ومواقف ورؤى ما كان لها أن تكون لولا المبادرة الجريئة والمتقدمة التي صاغها خضر لتتبلور لاحقا على شكل إطار يختص بالبحث الدائم في مسألة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين ، ومن خلالها تم استشراف المستقبل الذي يحمل في طياته الكثير من الأفكار والمشاريع الهادفة وبقصدية للتجاوز والتحايل على حق العودة،  ، فلجنة الدفاع قد أعطت دافعا قويا ومحفزا من أجل تجميع اللاجئين في أطر شعبية داخل المخيمات وخارجها في الوطن والشتات.

ومنذ بيانها التأسيسي الأول شرعت لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين بتناول قضية اللاجئين ببعدها السياسي مطالبة القيادة الفلسطينية بالتمسك بحق العودة وإيلاء قضية اللاجئين الأهمية التي تستحق داخل الخطاب الفلسطيني الرسمي ، داعية بذات الوقت الى رص الصفوف داخل أوساط اللاجئين من أجل خلق حالة نضالية مدافعة وفاعلة في إطار حق العودة كحق لا يمكن القفز عنه.

ومن هنا تأتي سلسلة الإنجازات التي تحسب للجنة الدفاع ، فقد بادرت الى اعتبار الثامن من ديسمبر" يوما للتضامن مع المخيم واللاجئ الفلسطيني " حيث دعت اللجنة الى أن يكون هذا اليوم يوم إضراب وإعتصام داخل مؤسسات وكالة الغوث الدولية وأمام مقراتها الفرعية واللوائية والمركزية احتجاجا على تقليص خدماتها ، وأيضا دعت اللجنة الى اعتبار العام 1998 عاما لانبعاث الذاكرة الوطنية الفلسطينية ، على اعتبار أن هذا العام هو العام الخمسين من عمر النكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948.

وسعى خضر دوما نحو خلق حالة من الوعي في أوساط اللاجئين حول قضيتهم ومن هنا جاء تشكيل مركز يافا الثقافي، كأول وليد حقيقي ومؤثر للجنة الدفاع ،وكأول مركز يهتم بالشرائح الأكثر تهميشا داخل المجتمع الفلسطيني وخصوصا في مخيمات شمال الضفة الغربية  ، والذي عمل بجد وعلى نحو واسع للاهتمام بالأطفال والشباب والمرأة عبر العديد من الفعاليات والبرامج والنشاطات ، وفي هذا السياق تأتي البرامج المنجزة كبرنامج حقوق الطفل اللاجئ ، وورشات المسرح والتصوير والرسم ومناقشة الكتب وزيارات القرى الأصلية المدمرة ، ونسج العلاقات بين أطفال اللاجئين في مخيمات الداخل مع أطفال اللاجئين في الشتات .

ان الحديث عن مبادرات حسام خضر ولجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين لا يعني على الاطلاق التقليل أو تهميش أشخاص أو مؤسسات أو قوى أو هياكل أنشأت لاحقا تعنى بموضوع اللاجئين سواء كانت رسمية أم شعبية وقدمت إنجازات وإسهامات ملموسة في إطار الجهد الخلاق والمبذول نحو مزيد من تفعيل القوى الكامنة داخل أوساط اللاجئين، ومن هنا تأتي مراكز الشباب التي تم إعادة إحياء أدوارها داخل المخيمات ومراكز النشاط النسوي ، ومؤسسات كشمل وبديل ومركز العودة ، وتجمع القرى المهجرة والجمعيات الخيرية العائد موضوع عضويتها للقرى المدمرة عام 1948، ولجان الدفاع عن اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان.

***

ولكن يبقى السؤال لماذا تم اعتقال خضر؟ شخصيا لم أفاجئ باعتقاله، كنت أعتقد أن هذا الإنسان النمرود شكل حالة أزعجت الإسرائيليين، فهو يعتقد أن عملية الإصلاح الداخلي يجب أن تترافق مع مواجهة شرسة مع الاحتلال بعيدا عن منطلق الصفقات السياسية التي لا تنتج إلا مزيدا من التنازل عن الحقوق والثوابت ، وبالتالي عدم إرهاق الناس بشعارات كاذبة من أننا مقبلين على الفناء والنهاية إذا لم نتعاطى مع الأفكار والمشاريع الهادفة أصلا الى محو جوهر وجودنا على هذه الأرض، بل كان مكرساً جل جهده لتفعيل المطالبة بضرورة خلق نماذج إدارية ووظيفية ومهنية قادرة على أن تكون بمستوى هذا الشعب وتضحياته ونبله.

 لكن ما يستدعي الاهتمام أن حالات الاغتيال والاعتقال التي طالت قيادات ومناضلين وفاعلين حقيقيين داخل البنية الفلسطينية تترافق مع انتشار لأفكار ومشاريع ووثائق وتجمعات تدعو للتنازل الصريح والمباشر عن الثوابت الوطنية وفي مقدمتها حقوق اللاجئين بالعودة، فالمقصود بالتالي من سجن القيادات الميدانية والسياسية المؤثرة بشكل حقيقي في أوساط الفلسطينيين كمروان البرغوثي وحسام خضر وغيرهما تؤكد أن المقصود بالسجن هنا هو محاولة اغتيال سياسي للكلمة والموقف الجريء الذي يمثله هؤلاء القادة ، وفي اطار ثاني تعتبر عملية الاعتقال بمثابة استهتار واستخفاف من قبل إسرائيل بالمؤسسة التشريعية الفلسطينية التي لم تقم بدورها بشكل لائق في الدفاع عن أعضاء مجلسها المعتقلين ، والذين بالسكوت عن اعتقالهم يكرسون حالة الاستخفاف والاستهتار بهم كمؤسسة مرجعية.

***

 وأخيراً فإن دعوات خضر  الصريحة والفجة في آن هي التي أكسبته جماهيرية بالإضافة الى ما لديه من صفات ذاتية فهو وكما أعرفه لديه قدرة عجيبة على التأثير وبالتالي تحريك أعداد هائلة من البشر بسرعة فائقة، وهذا يعكس حبا جامحا نحو إيجاد علاقة ما بكل فرد داخل محيطه الاجتماعي، ورغم كونه نمرودا لدودا إلا أنه كان ودوداً في ذات الوقت.

_________________

* باحث متخصص في سوسيولوجيا اللاجئين

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com