عيسى قراقع : الانتفاضة الثالثة...ضد الوهم؟
 

معتقلين 2 غزه برس (8/8)- * التناقض المفجع الذي جرى على الاراضي الفلسطينية منذ اعلان اتفاق الهدنة والتزام الطرفين بتنفيذ خريطة الطريق هو ان اطلاق النار لم يتوقف كما يتوهم البعض، فما زال الفلسطينيون يتعرضون لما هو اقسى واشد من اطلاق النار او اجتياح دبابات ومصفحات عسكرية للبلدات الفلسطينية.

الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني والذي يبدو كأنه غير مرئي وملموس للعالم منذ ما يسمى وقف اطلاق النار كبير جداً وافدح من الثمن الذي دفعه في المواجهات المباشرة لان ضريبته الان سياسية واستراتيجية اكثر منها تكتيكية وميدانية. لقد حررت خريطة الطريق حكومة اسرائيل من الضغط الدولي ومن سخط الرأي العام العالمي خاصة الاوروبي عندما شنت الحرب المباشرة الشاملة على الشعب الفلسطيني واصبحت مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال واسلحته الفتاكة مشروعة ومستوعبة لدى العالم وفشلت كل المحاولات التي ارادت الربط بين مقاومة الشعب الفلسطيني والارهاب. لقد بدا الجيش الاسرائيلي فاقدا لكل الاخلاق والقيم السياسية في تصرفاته العدوانية مع ابناء الشعب الفلسطيني وارتطم امام الحقيقة الصعبة التي تقول ان الحل العسكري والامني الشاروني قد تهاوى امام ارادة شعب لا يطلب المستحيل بل يطلب الحرية والاستقلال ليعيش بكرامة اسوة ببقية شعوب العالم...ويبدو ان الصورة بدأت بالتغير الان عندما تحول الاحتلال تحت غطاء مشروع خريطة الطريق الى مظهر آخر اشد فتكاً واكثر ثباتاً وخطورة بعد ان حصل على ما توهم انه اعتراف فلسطيني بان اعمال المقاومة في الانتفاضة هي ارهاب ويجب وضع حد لهذا وان الشعب الفلسطيني قد هزم...مما اعطى السبب الكافي لحكومة الاحتلال في تنفيذ مخططاتها والتصرف كمنتصر بتشديد الحصار على الشعب الفلسطيني وحشره في تجمعات سكانية وتطويقه بالجدار الفاصل الذي يلتهم الارض ويقضي على الحد الادنى من مقومات قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة والبقاء. وعلى هذه القاعدة اصبح اي تحرك فلسطيني للدفاع عن النفس والحقوق يصب في مفهوم «الارهاب»...لقد انتصر بهذا الجيش الاسرائيلي على الفلسطينيين في المفهوم وحصل على «الشرعية» لكل اعمال الدمار والقتل التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني خلال الانتفاضة... ان بناء الجدار الفاصل هو اطلاق نار من نوع اخر بل هو حرب ليست ضد مقاومة فلسطينية هنا وهناك، بل هو فرض امر واقع يرسم خلاله حدود الحلم الفلسطيني ويضعه في داخل سجن ابدي ويجعل من الاحتلال الاسرائيلي ليس فقط احتلالاً عسكرياً لشعب اخر بل احتلال استيطانيا يمارس «الابرتهايد» بأدوات الاحتلال ليكون بذلك اعقد وابشع انواع الاحتلال في التاريخ... ولاشك ان الاعتداء الوحشي وهو ليس الاول على الاسرى الفلسطينيين في سجن عسقلان وغيرها من السجون حيث تم تسجيل 6 اعتداءات بالضرب والقمع على المعتقلين منذ اعلان الهدنة يشير الى ان الاسرى وعائلاتهم لم يعطوا اي فرصة في الهدنة بل تصاعدت اجراءات القمع على حقوقهم الانسانية والمعيشية في السجون بشكل غير مسبوق وكأن الحال يقول ان الاسرى خارج سياق اي اتفاق سياسي مع انهم لعبوا دوراً مركزياً اساسياً في تثبيت الهدنة واعطاء فرصة للجهود السلمية والحوار... ولو نظرنا الى مستوى الحياة التي يعيشها المعتقلون لوجدنا انهم يعيشون في قبور وفي اوضاع معيشية قاسية كمن ينتظر حكم الاعدام...فقد طبقت سلسلة مبرمجة من الاجراءات الخطيرة على المعتقلين مثل عزلهم في زنازين انفرادية...وتكثيف سياسية التفتيش العاري المذل واقتحام غرف الاسرى وزنازينهم لاتفه الاسباب وحرمان 230 عائلة فلسطينية من زيارة ابنائها ومن فئة الاب والام والزوجة بعد ان شرع الصليب الاحمر بتنظيم الزيارات مؤخراً اضافة الى بدء ادارة السجون بتركيب الواح زجاجية بدل الشبك في غرف زيارات الاهالي كما يجري في عسقلان...واكثر من هذا فان شهادات كافة مؤسسات حقوق الانسان تقول ان السجون والمعسكرات التي يحتجز فيها الاسرى لا تصلح للحياة البشرية وكل ذلك يجري في ظل استمرار الاعتقالات والمداهمات والاختطاف في المناطق الفلسطينية فقد اعتقلت سلطات الاحتلال منذ اعلان الهدنة 500 مواطن فلسطيني فأين هو وقف اطلاق النار، فاذا لم تشمل الهدنة اصحاب القضية وعلى رأسهم المناضلين الاسرى فمن تشمل اذن...؟ وفي اعتقادي ان الهجمة على الاسرى وحقوقهم جاءت في سياق ما بدا كموافقة فلسطينية مباشرة وغير مباشرة على ضرورة وقف المقاومة الفلسطينية لتستمد حكومة شارون الاسباب التي تعزز قمعها وقهرها لآلاف المعتقلين. انني اشعر كأن هنالك اتجاها منزعجاً من وصول قضية الاسرى الفلسطينيين الى مستوى عالمي واحتلالها هذا المركز الكبير في الوجدان والشارع الفلسطيني، انها قضية هامة ضمن جملة قضايا مصيرية اخرى الا انها تعتبر محكاً واختباراً فعلياً لمدى مصداقية حكومة شارون في السير على طريق انهاء الصراع بطرق سلمية... واشعر ان البعض يتصرف في المفاوضات الجارية من قاعدة الاستجداء الانساني فيما يتعلق بالاسرى ويحاول الانجرار وراء تصنيف وتجزئة المعتقلين الى فئات وحالات انسانية وعدم التعاطي مع هذه القضية بشكل شمولي وسياسي وكجزء ملتحم في العملية السياسية. ولم اعرف في يوم من الايام ان حركة تحرير وطني وافقت على وصم ابنائها الاسرى بالارهابيين والتصفيق وراء افراجات شكلية وصورية هدفها خداع العالم.. ولم اعرف في يوم من الايام ان مسؤولا في حركة تحرير وطني يوافق على تحويل اريحا او غزة الى منفى للمقاومين والمناضلين وعزلهم كأنهم حشرات منبوذة. لا لن نصفق لما يجري...منذ شهر تقريباً ونحن نعيش في حالة توتر وانتظار بسبب الاستغلال والتلاعب بقضية الاسرى وتضارب التصريحات...ولا يوجد شيء سوى ان حكومة الاحتلال ستفرج من طرف واحد عن حوالي 600 اسير فلسطيني وفق معاييرها وشروطها الخاصة وهذا العدد ستعتقل مثيله خلال اسبوع بسبب استمرار حملات الاعتقالات. ان اسرائيل تنفذ ما طالب به الوزير الاسرائيلي المتطرف ليبرمان «باغراق» الاسرى في البحر الميت وتتعامل مع الاسرى الفلسطينيين كما كتب الصحفي الاسرائيلي «عاموس هرئيل» في هآرتس كفئران في المختبرات الاسرائيلية يجب توجيه الصدمات الكهربائية لهم ليستجيبوا للاوامر والاشتراطات الاسرائيلية. ومن هنا فان حكومة شارون مستمرة في العدوان ولكنها تتصرف الان بطريقة مختلفة تحت حماية مشروع «خريطة الطريق» التي اوهمت الفلسطينيين بالوصول الى دولة فلسطينية عام 2005. ويبدو ان الفلسطينيين لن يصلوا الى ذلك لانهم سيجدون انفسهم تحت نظام فصل عنصري واحتلال عسكري...يعيشون على 40% من اراضيهم المطوقة بالجدار وتحت سيادة الحكم الاسرائيلي ولكن حينها لن تكون دولة اسرائيل دولة احتلال في نظر العالم مما يجعلنا نكره اشد الكره، هذا الشكل من الدولة والمصير. علينا ان نكف الان عن المطالبة باطلاق سراح الاسرى تحت وهم السلام وان يتحول شعارنا الثابت الى المطالبة بانهاء الاحتلال من الحياة الفلسطينية، فوجود الاسرى في السجون هو احد نتائج وجود الاحتلال وتحكمه بحياة الشعب الفلسطيني وسوف يستمر تدفق الاسرى الى السجون ما دام هذا الاحتلال موجودا وعلينا ان نتصرف سلوكيا وسياسيا كشعب تحت الاحتلال وبمفاهيم حركة تحرر وطني. لم يعد احد يطيق ما يجري من استهتار وتلاعب بقضية انسانية وحساسة كقضية الاسرى وكانهم اصبحوا مادة للمزاودة واطلاق التصريحات والشعارات، والاسرى بذلك يدفعون ثمناً من اعصابهم وترقبهم الطويل وعلى حساب صلابة معنوياتهم ووحدتهم ونفسياتهم... لسنا مستعدين للدخول في دائرة الوهم الذي يجعل من الافراج عن بضع مئات من الاسرى على حساب انهاء الاحتلال...ولسنا مستعدين للانجرار مرة اخرى الى التعاطي مع قضية الاسرى بالطريقة الانتقائية والفردية تحت شعار تقوية حكومة ابو مازن تارة ومبادرات حسن النية تارة اخرى.... اذا كان ثمن اطلاق سراح مئات من الاسرى على حساب ابقاء ما يسمى «الاحتلال النظيف» واعطائه شرعية للتحكم بمستقبل الشعب الفلسطيني من خلال استمرار الاستيطان والحواجز والجدار ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات في وقت يوهم فيه شارون العالم انه يقدم «تنازلات مؤلمة» للشعب الفلسطيني فان ذلك كارثة يجرنا اليها البعض بوعي وبخبث مشؤوم. انني ارى انتفاضة ثالثة في الطريق...انتفاضة ضد الوهم تتمرد على الخداع والتسويف، ستكون مختلفة جدا لتجرف في طريقها من حاول ان يتصرف مع الاعداء كمهزوم، ولم ير في الانتفاضة بطولتها وضحاياها وحقها المشروع في التخلص من الاحتلال.

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com