قضية المعتقلين الفلسطينيين مفترق طرق

بقلم :ابراهيم ابو الهيجاء
 

«1» الاعتقال هو أداة قهر الاحتلال الاسرائيلي، لمحاولات اقتلاع الانسان الفلسطيني او تفكيك مقاومته او التغلب على ارادته والحد من عزيمته، فصراع السجون والتحقيق هو بالاساس صراع ارادات وادمغة، ويثبت من خلال استطلاع رقمي اولي ان اكثر من 25 % من الفلسطينيين البالغين قد تعرض للاعتقال مرة او مرات ، واذا استثني من النسبة العامة جملة النساء والاطفال فاننا امام نسبة تؤكد ان كل بيت فلسطيني تعرض احد ابنائه للاعتقال .

 

اليوم يتجدد الحديث السياسي حول هذا الملف الذي بقي ساخنا ومفتوحا طوال سني الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي، وعلى الرغم من الظن ان هذا الملف ثانوي في اجندة الصراع الفلسطيني الا انه ثبت في السنوات العشر الماضية وخصيصا ابان اتفاقات التسوية، انه ملف عاجل يحق ان يصنف بمستوى الملفات المركزية، لا انه يتعلق بنخبة وضعت روحها على اكفها .

 

ونذرت نفسها لمقاومة المحتل وادارة الصراع معه في اجلى المعارك واصدقها «أي في المقاومة الايجابية»، وهذه المقالة تنطلق في تحليلها من تجربة اوسلو وما تبعها الى ما وصلنا اليه في خارطة الطريق لتؤكد فرضية جديدة اخرى غابت كثيرا عن المحللين والمراقبين لمجريات الصراع على الارض الفلسطينية، ومفادها «ان تقدم المسار السياسي او توقفه، تسارع المقاومة او تباطؤها رهن بارادة المعتقلين الفلسطينيين القابعين هناك خلف القضبان حيث العزل والقهر وقلة الماء وسوء الدواء .

 

 

وطوال سنوات التفاوض التي تلت مدريد وحتى مابعد اوسلو وماتلاه من القاهرة وطابا. ثبت حجم التلاعب الاسرائيلي في قضية الاسرى من جهة ومقدار التراجع التفاوضي الفلسطيني من جهة مقابلة ، ورغم سوء نصوص ماورد في اتفاقية طابا حول معالجات لقضية المعتقلين الا انها لم تطبق ولم يفرج عن جميع الاسرى، وبقي حوالي 1300 اسير من ذوي الاحكام العالية في السجون «أي اهم الفئات المعتقلة»، رغم افتراض الاتفاقات المتتالية انهاء سجنهم كجزء من التسوية الجارية.

 

فالمشكلة للاسف لم تكن حتى بالنصوص على سوئها بل انها تكرست بالوقائع التفاوضية التي تعاملت مع المعتقلين من خلال بوادر حسن النية من جهة والتعاطي مع التصنيفات الاسرائيلية التي تقترب لتجعل قضيتهم جنائيين وليس في اطار مقاومين، أي الانسياق تماما للموقف الاسرائيلي.

 

واليوم قضية المعتقلين هي كلمة السر التي حسمت موقف فصائل المقاومة لقبول الهدنة باشتراط الافراج عن مجمل المعتقلين ولاسيما ذوي الاحكام العالية، وهذا بالمناسبة مبدأ شمولي تدرك اسرائيل مدى اهميته السياسية بالنسبة للفلسطينين من حيث:

 

 

1 ـ استمرار تعليق العمليات العسكرية كونه الثمن الوحيد المعقول بالتعليق

2 ـ تصدع او تمتين العلاقات الداخلية

3 ـ حساسيته الشعبية كونه على تماس مباشر مع كل القطاعات

 

اسرائيل من طرفها اعتبرت قضية الأسرى الفلسطينيين قضية شكلية تساهم من خلالها بتحسين سمعتها الدولية واثبات جديتها تجاه التسوية ، ومساعدة تيار التسوية الفلسطيني الذي يقوده الخط الرسمي الفلسطيني، وتحديدا الذي يتزعمه «محمود عباس» وبرأينا ان اسرائيل لن تذهب بعيدا في الافراج عن جميع المعتقلين لعدة اشكالات أهمها:

1 ـ امنية: حيث ان اسرائيل تخشى من خبرة هؤلاء المعتقلين العسكرية وتأثيرهم بالتالي في موازين القوة في الصراع الدائر بين قوى المقاومة الفلسطينية والاحتلال الصهيوني.

2 ـ سياسية: حيث ان اسرائيل تستخدم ورقة المعتقلين للابتزاز السياسي لتقليل سقف المطالب الفلسطينية، والاهم القاء هذه الورقة كبادرة حسن نية كلما ارادت اسرائيل اثبات حسن نيتها.

3 ـ ائتلافية: فالائتلاف اليميني الحاكم في اسرائيل ليس من السهل تمرير قرار شمولي كلي خلاله بالافراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين بغض النظر عن انتماءاتهم او افعالهم

اذن اسرائيل في ضوء هذه التعقيدات بالاضافة الى فلسفة شارون الخاصة تجاه التسوية التي تأمل بتأجيل القضايا النهائية واعطاء الفلسطينيين دولة مقطعة على اقل من 40 بالمئة من اصل 20 بالمئة من ارض فلسطين الكلية فانه سيلجأ في ملف الاسرى والمعتقلين الى التالي:

اولا: التكتيك السياسي: في أقصى مدى بما يجعل الفلسطينيين مستنزفين سياسيا، يطالبون بالشارع والطريق والمدينة والقرية، بل انه سيساومهم على معتقل معتقل .

ثانيا: ربح الزمن: فشارون يدرك ان الورقة المطلبية الاولى لحماس والجهاد هي الافراج عن المعتقلين السياسيين ، وان استمرار الفلسطينيين بالهدنة هو بتلبية هذا المطلب لذا سيلجأ للتسويف وتجزئة المعتقلين قدر الامكان حتى تنجز الهدنة هدوءا يمكنه من انجاز التالي: المراحل الرئيسية في الجدار الفاصل من جهة تبريد الانتفاضة الفلسطينية، وتسريب الهزيمة الفلسطينية اعطاء الفرصة لاجهزته لكي تستعد جيدا، او لكي لاتتهرب من مواجهة القوى الاسلامية بحجة عدم الجاهزية.

بعد ذلك سيلجأ شارون الى تفريغ مطلب الفلسطينيين في قضية المعتقلين وتحويله من مطلب اشتراطي جاء في مبادرة هدنة الى شكل من اشكال الاستجداء .

ثالثا: توظيفه كفتنة: يأمل شارون ان تجد الحركات المقاومة الفلسطينية نفسها في حيرة بعد انقضاء مدة الهدنة، حيث سيجبرهم من خلال بعض التصعيد وعدم الافراج عن المعتقلين وركيزتهم المؤبدات الى التحلل من الهدنة، ستحاول السلطة ثني هذه الحركات عن مطالبها، ومحاولة اعطائها المزيد من الوقت، السلطة ستفشل حتما لان الحركات المقاومة ان استمرت في ظل هذه المعادلة تكون بذلك كمن انتهت كمشروع وكفكر.

عندها ستنتهي الهدنة، وعندها اسرائيل ستطلب من السلطة مواجهة الحركات المقاومة ، وسيستغل شارون اجواء الانتخابات الاميركية للاستفراد تماما بالفلسطينيين، مما قد يؤدي الى مواجهات محدودة بين السلطة والحركات المقاومة، وهذا يعيد علاقات هذه الاتجاهات الى ماقبل الانتفاضة الحالية «حيث السجون والملاحقة»، ورغم ان هذا السيناريو ما لانتمناه الا أنه يجب ان يؤخذ بعين الاعتبار عند تحليل كل المعطيات.

رابعا : تجزئة المعتقلين : ستحاول اسرائيل خلال كل ذلك استخدام كل انواع التسويف مستخدمة كل الاشكال الاعلامية، والمساومات والضغوط العربية والدولية الى جر الحركات المقاومة وبالتالي مطلب الافراج عن المعتقلين الى ملعب المساومات والتجزئة، حيث سيدعي في البداية ان هذه خطوة اولى وتتبعها اخرى، ثم سيجزيء المعتقلين الى نساء وكبار بالسن واطفال، ثم الى من قاوم قبل اوسلو او بعده.

 

وهكذا حتى يجزيء مطلب الافراج الشامل عن المعتقلين، بحيث تبقى ورقة المعتقلين بيده بأقل الخسائر وبأفضل المساومات، وستدير السلطة مفاوضات بالوكالة مع الحركات المقاومة، بحيث تطالبها مثلا بتحديد الاولويات بالافراج كأسماء او كفئات وهكذا.

خامسا: التبادلية : ستحاول اسرائيل في اطار كل ذلك تحويل قضية المعتقلين الى ام القضايا ، بحيث ستلمح لمصر والولايات المتحدة وحزب الله. انها مستعدة للافراج عن جزء مهم من المعتقلين في حال افراجهم عن بولارد الجاسوس الاسرائيلي المسجون لدى الولايات المتحدة، وعزام عزام الجاسوس الاسرائيلي المسجون في مصر.

والاربعة عسكريين المخطوفين لدى حزب الله، وربما تضغط لكي تغري ايران لكي تفرج هي الاخرى عن الطيار رون اراد الذي يعتقد انه محجوز لديها. وهكذا ستجعل اسرائيل من قضية المعتقلين الفلسطينيين والعرب من قضية جزئية في التفاوض الى قضية اقليمية.

سادسا: الباب الدوار: خلال كل ذلك ستلجأ اسرائيل الى استمرار الاعتقال فتفرج عن عشرة وتعتقل عشرين، بحيث تبقي قبضتها الامنية قائمة من جهة، ورادعة للاخرين من جهة ثانية، والاهم انها ستعوض على اسرائيل ميزة وجود معتقلين هامشيين يمكنها من الافراج عنهم كلما اشتد الضغط او احتاجت الى مبادرات حسن نية جديدة. وهكذا دواليك.

في ضوء ذلك فان الاحتمال الاكبر هو ان يحرك قضية المعتقلين ذات المعتقلين من خلال الاضرابات وشحن الشارع الفلسطيني كما ثبت ذلك فيما بعد اوسلو ، ادت الى تحرك موجات انتفاضية وافعال عسكرية بل انهم سيكونون قوة فاعلة وضاغطة على الحركات المقاومة في ايقافها عن فخ الاستدراج الاسرائيلي او تفريغ قضيتهم من مضمونها ونعتقد ان قوة المعتقلين هائلة على الحركات المقاومة والسلطة لعدة اسباب:

1 ـ محمود عباس متهم لدى الاسرى انه فرط بقضيتهم في مفاوضات اوسلو وماتبعها من مفاوضات، لذا فهو يشعر بعقدة الذنب ويحاول التأكيد على دوره الفاعل ولايمكنه بالتالي من مواجهة الموقف اكثر مما يحتمل.

2 ـ ان تعداد المعتقلين المقارب على 8000 ليس هينا في ضوء معرفتنا ان خلف كل معتقل اسرة، واذا تعاضد معها البنية الاجتماعية التي تسيطرفيها العائلة الكبيرة في فلسطين، فان هذه القضية كفيلة بخلق اهتزاز سياسي بالغ على مسار التسوية، والسلطة والحركات المقاومة تدرك ذلك جيدا.

3 ـ من ال8000 معتقل هناك حوالي 2000 معتقل يشكلون البنية العسكرية لمجمل الحركات المقاومة ، واحكامهم عالية وتصل الى المؤبدات، وهؤلاء يعتبرون بنظر الشارع الفلسطيني «الانموذج البطل المضحي»، والاستخفاف بقيمة هذا النموذج جدير باسقاط اعلى الشخصيات الفلسطينية الرسمية او الشعبية وبالتالي أي موقف لهولاء المعتقلين كفيل بهز أي اتجاه يتخلى عنهم او خلق انشقاق جدي فيه.

4 ـ ثبت فيما مضى ان المعتقلين وخاصة المؤبدات كانوا القادة الموجهين لكثير من الخلايا العسكرية الفلسطينية وتحديدا للحركات الاسلامية، وشعور المعتقلين بأي تهاون في قضيتهم سيؤدي بهم الى تجنيد جدد واحداث عمليات ضخمة كفيلة بتغيير المسار والموقف السياسي.

5 ـ لقد اكتوى مجمل الفلسطينيين في الضفة والقطاع بتجربة الاعتقال، حيث كما ذكرنا اكثر من ربع الفلسطينيين تعرض لتجربة او تجارب الاعتقال، وهذه التجربة تعطي زخماً معنوياً لاي حركة تضامن او احتجاج.

6 ـ يساهم توزيع المعتقلين على مختلف المناطق الفلسطينية في الضفة والقطاع على قوة وفاعلية أي تحرك على مستوى المحافظات الفلسطينية الممتدة، وهذا يخلق امتداداً جغرافياً فاعلاً لاي حركة تصعيد للافراج عن المعتقلين، فهم عن عبارة عن تنظيم منتشر في كل مكان له متضررون في دائرة الاسرة، ومتعاطفون في دائرة العائلة الاكبر.

وانصار ورفاق في الحركات التي ينتمون لها، ومتعاطفون من مجمل الشعب متأثرون من التجربة التي سبق ان مروا بها، او لديهم خزين من القهر ضد ممارسات اخرى للاحتلال، وكل هذه التركيبة من المعادلات من السهل ان تتفاعل وتؤثر.

ـ كاتب وباحث فلسطيني

 

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com