قضية اللاجئين فى البعد العربي

 بقلم/ رمزي رباح
باحث وكاتب في شئون اللاجئين
عضو المجلس الوطني الفلسطيني-غزة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطيني

    تحدد الأطراف العربية المضيفة للاجئين والمعنية (أو المخاطبة) بقضية اللاجئين ومفاوضات الوضع الدائم سياستها فى هذا المضمار انطلاقاً من موقعها ودورها فى التسوية الثنائية الترتيبات الإقليمية الجارية فيما يقع ويرتبط بدائرة المفاوضات غالباً وعلى حوافيها أحيانا. وفى هذا الإطار، تعتبر مصر أن مفاوضات الوضع الدائم هى مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية أساساً، وأي دور عربي آخر هو دور داعم للمفاوض الفلسطيني من دون أن يعني ذلك دعوة الجميع الى طاولة المفاوضات أو مشاركتهم فيها مباشرة، فالمفاوضات تتعلق بمصير الشعب الفلسطيني وقراره. وليس لأي دولة عربية دور فى ذلك، أما مشكلة اللاجئين فيمكن تصور دور للدول المضيفة (الأردن، سوريا، لبنان) بذلك.

** العراق بلد مضيف للاجئين، لكنه (كمصر) خارج نطاق عمليات وكالة الغوث، هو ليس معتنياً بالمفاوضات الثنائية، ولا يشارك فى لجان المتعددة، ولهذا السبب يتعرض لضغوط (فى إطار الحصار المفروض عليه) من أجل توفير شروط مشاركته – فى الوقت المناسب – فى أعمال المتعددة، وباعتباره مستهدفاً فى ترتيبات النظام الإقليمي الجديد، فهو أحد مكوناته.

   على هذه الخلفية يزج باسم العراق، بين الحين والآخر، كبلد جاهز لاستقبال وتوطين اللاجئين الفلسطينيين (من لبنان تحديداً)، وهذا ما ينفيه العراق بحزم، ولا تدعمه – أصلاً – وقائع ومواقف ومؤشرات ملموسة يمكن البناء عليها للوصول الى هذه النتيجة.

** قضية اللاجئين فى سوريا لا تنمي الى حيز السياسة اليومي المعلن كما هو الحال بالنسبة للأردن ولبنان، فالموقف الرسمي يؤيد حق العودة فى الإطار السياسي المبدأي انسجاماً مع تبني خيار التسوية السلمية ضمن قرارات الشرعية الدولية وبما يتفق والموقف العربي عموماً، وبشكل خاص، فهو وفى إطار تلازم المسارين التفاوضيين، يساند الموقف اللبناني الرسمي الرافض للتوطين فى لبنان.

   من جهة أخرى، لم يصدر عن سوريا حتى الآن أي موقف رسمي ذي صلة باللاجئين المقيمين على أرضها، فهي لا ترى نفعاً فى كشف ورقة اللاجئين قبل الأوان، لكنها فى الوقت نفسه، تواصل سياسة الانفتاح على بعض التحركات المتجهة الى المخيمات ذات الطبيعة التنموية والخدمية، الأمر الذي يندرج فى إطار التعاطي الهادئ والمتدرج مع مستويات واطر عمل ذات صلة بما يدور حاليا فى الأوساط الدولية حول قضية اللاجئين.

** تندرج قضية اللاجئين فى مقدمة اهتمامات الأردن الذي ينطلق، من جهة، من عدم موافقة إسرائيل على حق العودة، ومن جهة أخرى من النتائج المحدودة لدمج فلسطيني الشتات (بما فى ذلك فى الأردن) فى الدولة الفلسطينية الآتية، فيصبح التوطين وما يستتبعه من تعويض هو الحل الممكن، الأمر الذي يفترض أن تبقى قضية اللاجئين فى الأردن بيد الحكومة مع استبعاد أي دور لمنظمة التحرير (ذات الدور التمثيلي الشامل)، والاحتفاظ فى الوقت نفسه بعلاقات مع السلطة الفلسطينية (التى لا تمثل قانونياً جميع الفلسطينيين وتحديداً فى الأردن)، أما التنسيق الثلاثي بين الأردن وسوريا ولبنان) الذي يستثنى الجانب الفلسطيني، فهو مطلوب لإيجاد غطاء إقليمي لهذه السياسة ولتوحيد سياسة هذه الدول وتنسيقها، ما أمكن، حيال قضية اللاجئين.

    ان تطبيق هذه السياسة تحت شعار استيعاب الأردن من يقرر من الفلسطينيين البقاء فيه مع تمتعهم بكامل حقوقهم و"لدينا لاجئون لهم مصالح وممتلكات فى فلسطين"، يتحرك على أكثر من مستوى متجنباً استعمال مصطلح التوطين الذي يثير مخاوف حقيقية وسط الفلسطينيين ولدى أوساط أردنية واسعة ترى فيه خطراً على مستقبل البلاد السياسي.

    إنه يتحرك على مستوى "حزمة الأمان الاجتماعي" التى تكرست مشروعاً تنفيذياً غير قابل للتراجع عنه، كما انه يتحرك على مستوى الترويج لسياسة استيعاب الفلسطينيين من خلال توسيع مساحة حقوقهم وتعزيز مواقعهم ضمن المؤسسة السياسية وأجهزة وإدارات القطاع العام، ومن خلال طرح قضية التعويض (للاجئين وللدولة المضيفة فى آن) التى تتطلب مساهمة المجموعة الدولية لتأمين مساعدات لا تقتصر على دمج اللاجئين، بل التقدم نحو مقاربة لمشروع سياسي – اقتصادي متكامل يندرج ضمن وظيفة إقليمية متجددة للأردن، يتحدد احد جوانبها الرئيسية بتقديم نموذج حي وعملي عن إمكانية استيعاب التجمع الأهم للاجئين (عدداً وتأثيراً سياسياً) يسمح بتعميمه على باقي تجمعاتهم.

   المشكلة فى سياسة الحكومة الأردنية أنها تحاول أن تتحرك منفردة فى موضوع "لاجئيها" متجاهلة أنها تواجه عقدة رئيسية لا يمكن لها ولأي من الدول الأخرى المضيفة للاجئين (وبالذات لبنان وسوريا) أن يتجاوزها منفرداً وبمعزل عن الطرف الفلسطيني". إن حل قضية اللاجئين هو ما يرتبط به الحل الدائم مع الفلسطينيين مترافقاً مع إنجاز التسوية السلمية مع الدول المضيفة للاجئين بحلقاتها الثلاث مجتمعة.

    والتجربة الأردنية نفسها بينت أنه بعد ست سنوات من التوقيع على معاهدة وادي عربة لم يدفع بمادتها الثامنة المعروفة (بمضمونها التوطيني) خطوات ذات شأن الى الأمام، فالجانب التأهيلي من مخطط التوطين فى إطار "حزمة الأمان الاجتماعي" لا يأخذ مداه إلا فى الإطار السياسي القانوني الذي يلبيه (إلغاء المكانات الثلاث: اللاجئين، المخيم، الوكالة) وضمن ما يسمى بالتوطين السياسي ببعديه الداخلي ( توسيع حيز التمثيل السياسي للفلسطينيين) والخارجي (مقاسمة م.ت.ف فى التمثيل السياسي).

     غير أن ما يلبي المصلحة المشركة للشعبين الأردني والفلسطيني هو عدم إقصاء وحدانية التمثيل الفلسطيني من خلال م.ت.ف الائتلافية ببرنامجها المشترك فى المواضيع الجوهرية لقضية الوطنية الفلسطينية بما فى ذلك موضوع اللاجئين، هذا بجانب، وبجانب آخر ينبغي تجاوز نهج التمييز القسري بين حق المواطنة وحق العودة، لصالح تركيز الجهد على خلق معادلة متوازنة فى الأردن بين الاحتفاظ بحق العودة مهما كان الحل السياسي المقبل (طالما لا يستجيب لمتطلبات الحل المتوازن لقضية الفلسطينية) وبين كون فلسطيني الأردن مواطنين تأمين يمارسون كامل الحقوق والواجبات فى الأردن.

   من هذا ينبغي الانطلاق لإرساء أعلى درجات التعاون الفلسطيني – الأردني فى موضوع اللاجئين، وفى إطار يضم أيضا لبنان وسوريا المعنيين بشكلي خاص بهذا الموضوع، فالتوطين مشروع توتير دائم فى العلاقات بين الفلسطينيين والدول العربية المضيفة وبخاصة لبنان والأردن، ولا سبيل لاحتواء هذه الحالة، وما تنطوي عليه من احتمالات، إلا بالإصرار على توجه مشترك، متوافق عليه ومنسق بين الجانبين الفلسطيني والأطراف الثلاثة الأخرى المعنية بموضوع اللاجئين على قاعدة التمسك الواضح بالقرار 194 الذي يكفل حق العودة.

** قبل تحرير الجنوب كان موقف لبنان الرسمي يقوم على التشبث بمفاوضات تؤدي فى وقت واحد الى تحرير الجنوب والبقاع الغربي والجولان وتقرير مصير الفلسطينيين الموجودين فى مخيماتهم داخل الأراضي اللبنانية فى إطار تأكيد الموقف اللبناني بإيجاد الحل الشامل للمسائل الثلاث هذه معا.

    الآن، بعد تحرير الجنوب لم تعد قائمة – موضوعياً – إمكانيات الربط بين القضايا الثلاث على قاعدة الحل الشامل والمتزامن، ليس فقط – بداهة – لأن إحدى هذه القضايا لم تعد ذات موضوع، فالانسحاب من لبنان تطور فى غاية الأهمية بحد ذاته، بل أيضا وبسبب من هذا، لأن السياق السياسي الذي كان يسمح بالربط بين هذه القضايا وبالذات الربط بين الانسحابين قد تغير، وتغير تحديداً باتجاه لا يسمح بالربط بين القضيتين المتبقيتين: الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة وملف اللاجئين فى لبنان، فلكل منهما موقعه وأولويته وسياقه السياسي المحدد.

إن موقع قضية اللاجئين فى لبنان الذي كان يستمد وزنه من عقدة الربط بالانسحاب الأحادي (الذي كانت تلوح به إسرائيل) من زاوية ما يمكن أن تؤدي إليه الأعمال العسكرية للفلسطينيين تحت شعار النضال فى سبيل حق العودة من نتائج أمنية وتوتيرية على الحدود التى ستنسحب إليها إسرائيل، هذه النتائج والاحتمالات التى كان يمكن أن تؤخذ بالحسبان وبحدود معينة، قبل الانسحاب، لم تعد قائمة الان.

   يعتبر لبنان الرسمي الوجود الفلسطيني على أرضه قنبلة موقوتة، وحل هذه المسألة من متطلبات السلام الشامل والعادل، وفى هذا الإطار يقوم لبنان منذ فترة بحلمة سياسية ودبلوماسية محورها رفض التوطين.

إن إحدى الثغرات الرئيسية فى الطرح اللبناني، إذا ما أراد أن يتجاوز حدود توضيح مشكلة الوجود الفلسطيني والمخاطر المترتبة عليه، هى عدم كشفه حتى الآن عن خطة عمل واضحة تقترح آليات وتحشد قوى خلف مطلب رفض التوطين وحق العودة، فالمفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية وأهم ما سيدرج على أعمالها قضية اللاجئين فى لبنان والأطر المستقبلية للعلاقات السلمية لن يقدر لها الخروج بنتيجة فى موضوع اللاجئين.

   وقد بينت التجربة أن إسرائيل لا تنفتح على هذا الموضوع فى المسارات العربية الثلاثة إلا على قاعدة التلاقي مع تصورها وحتى الآن لم يتبلور صيغة مفاوضات ثلاثية إسرائيلية – سورية – لبنانية، وإن كان الحديث يجري عنها بين الحين والآخر، صيغة تلتئم، بعد إنجاز الملف الثنائي المعقد على المسار السوري – الإسرائيلي (خط الانسحاب، الترتيبات الأمنية، التطبيع، الجدول الزمني) لتتفاوض على القضايا المتبقية بين الأطراف الثلاثة.

   إن وضع هذه الخطة هو بطبيعة الحال شأن لبناني، لكننا، من موقعنا الفلسطيني، نعتبر أنفسنا معنيين بالجانب المتعلق بأمرين اثنين: الأول يتصل بنقطة التداخل العربية – الفلسطينية فى قضية اللاجئين فتتجنب تجزئتها عند مقاربتها،  كي لا تتحول الى نقطة على جدول أعمال المسارات الثنائية، فإما أن تحل على قاعدة التوطين أو تصدر إلى أطر تفاوضية أخرى تدور أعمالها ونتائجها المعدة حول: التوزيع – التوطين/ التأهيل – التعويض.

   إن قضية اللاجئين تستمد قوتها من أسلوب التعامل معها كملف واحد موحد، فهذا ما يطرحها على مستوى الحل السياسي الذي يتحرك بأفق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بينما تجزئتها تصنفها ضمن فهم التجمعات السكانية التى لا رابط بينها، ما يفتح المجال أمام بحثها والبت بها على مستوى التأهيل، أي حل مشكلات هذه التجمعات وما يترتب على بقائها أو عدم بقائها حيث هي.

     أما الأمر الثاني فيتصل بسياسة العزل والإقصاء المتبعة تجاه الفلسطينيين فى لبنان، وهى سياسة تقوم على حمايتهم من الحقوق المدنية بشكل خاص، إن هذه الحالة الصعبة التى يعيشها التجمع الفلسطيني فى لبنان تقتضي الشروع بإدارة حوار فلسطيني – لبناني مسئول يضع المخيمات على نسق الحياة الطبيعية فى البلد، وعلى قاعدة واضحة من الالتزامات المتبادلة، وبرؤية سياسية قائمة على حق العودة ورفض التوطين.

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com