حسام خضر.. وفلسفة القرار التنظيمي

بقلم:أ عدنان السمان

    لعل ما يلفت النظر في كتابات حسام خضر التي قُدر لنا أن نراها أنها تعكس حالة الاعتقال، وتصور حياة الأسير منذ اللحظة الأولى التي يتم فيها الاعتقال.. ولعل ما يلفت النظر فيها أيضاً أنها تصدر عن روح غاية في السمو والشموخ، وهمة عالية عالية، وإرادة صلبة لا تلين... وإذا كانت الكتابة موهبة – وهي كذلك – وإذا كانت مثل غيرها من الفنون بحاجه إلى صقل وتهذيب، وتجارب غنية تفجرها؛ فإن تجربة الاعتقال والأسر تقف على رأس هذه التجارب التي تُلهب مشاعر الإنسان، وتفجر الطاقات الكامنة في أعماقه، وتدفع به دفعاً للكتابة، بعد أن تصقل موهبته، وتهذّب أسلوبه، وترتقي به في معارج الإبداع، وتحلق به في سماء الحكمة، وفضاء البلاغة والبيان لتضعه في أعلى مراتبها، وأسمى درجاتها.. هناك مع كل من آمنوا بحرية أوطانهم واستقلالها.. وإلى جانب من عملوا جاهدين من أجل عزة هذه الأوطان، وكرامة إنسانها وتحرره وسعادته.

    وإذا كان حسام الذي يمضي عقوبة بالسجن مدتها سبع سنوات اعتباراً من السابع عشر من آذار قبل أربعة أعوام قد اختطف من بيته في مخيم بلاطة بعد عملية اقتحام مروعة للمخيم وللبيت كليهما وهو نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني يومها، فإنه كان قد تعرض في العام خمسة وثمانين وتسعمئة وألف لتجربة اعتقال رهيبة دامية في سجن نابلس المركزي مدتها سنة ونصف عندما كان طالباً في جامعة النجاح بنابلس.. بعد أن فرضت عليه الإقامة الجبرية في بيته، ومنع من دخول الجامعة قبل ذلك.. وكان حسام قد اعتقل قبل ذلك كله للتحقيق ثلاثاً وعشرين مرة بعد أن كان قد التحق بحركة فتح في العام ثمانية وسبعين عندما كان في السادسة عشرة من عمره...

    وكان حسام من أوائل المبعدين إلى لبنان بعد اعتقاله جريحاً في مخيم بلاطة في اليوم الأول للانتفاضة الأولى، حيث تم إبعاده في 13/1/ 1988، ومن لبنان توجه حسام إلى تونس حيث عمل مسئولاً للمكتب الطلابي الحركي لطلبة الأرض المحتلة والخارج قبل أن ينُتخب في العام 1990 عضواً في الهيئة التنفيذية للاتحاد العام لطلبة فلسطين.. وقبل أن يعود إلى أرض الوطن في 5/4/ 1994 قام حسام بكثير من الأعمال العظيمة هناك في المنفى.. كما قام بكثير من الأعمال الرائدة هنا على أرض الوطن بعد عودته إليه، وحتى انتخابه عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة نابلس في العام ستة وتسعين وتسعمئة وألف حيث دخل معترك الحياة السياسية من أوسع الأبواب.

    أقول هذا فقط لأوضح أثر هذه التجارب المريرة في كل ما كتبه حسام خضر انطلاقاً من حياة الأسر والاعتقال.. وكيف أن هذه التجارب الرهيبة ببعديها الجسدي الدامي الذي كثيراً ما أطل به على حدود الموت، والنفسيّ الذي لامس به حدود فقد الذاكرة، والعجز أحياناً عن التعرف على الذات وعلى الآخر أيضاً.. هذه التجارب الرهيبة حقّاً وصدقاً لم تنل من عزيمته، ولم تضعف لديه لحظةً إرادة الإصرار والتحدي، ولم تطفئ أمام ناظريه أبداً شعلة الحق والإيمان الذي أضاء طريقه، وأنار بصيرته مذ كان طالباً يافعاً على مقاعد الدراسة، وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

    لقد كتب حسام خضر انطلاقاً من تجاربه هذه كثيراً من المقالات نشرها في "القدس" كما كتب كثيراً من الدراسات والبحوث التي لم تطبع بعد منها: نحن الفاتحون، التآكل الثوري، النقد والنقد الذاتي في حركة فتح، فلسفة القرار التنظيمي.. أما مذكراته فالحديث عنها يطول.. وأما رسائله إلى الأهل والإخوان والأصدقاء، فتصلح أن تكون مادة ممتعة مشوّقة لكتاب ثقافي مفيد... وأما سلسلة المقالات التي نشرت في "البيادر" قبل عام فكانت مادة كتاب ممتع نال إعجاب كثير من المهتمين والدارسين.

    لست أدري لماذا وقع اختياري هنا على الدراسة التي كتبها في سجن شطة تحت عنوان "فلسفة القرار التنظيمي" لمناقشتها متخذاً منها المثال الذي أضعه بين يدي القارئ على فكر حسام، وصدق انتمائه، وتفكيره المتواصل بقضايا وطنه وأمته، وهو في أسوا وضع جسديّ ونفسيّ يمكن أن يعيشه إنسان في أسوأ عزل، وأسوأ معتقل في تاريخ الحركة الأسيرة، وأكثر هذه المعتقلات بشاعة ورعباً على الإطلاق.

    بعد أن يقدم حسام لدراسته، وبعد مدخل تاريخي مناسب لهذه الدراسة، وذكر أسماء عدد كبير من شهداء الحركة الأسيرة يكتب في معنى التنظيم الذي هو الترتيب أو التنسيق.. مبيناً أن التنظيم هو ميزان العدل.. وموضحاً أهمية التنظيم في حياة الأفراد والشعوب، وأهميته في الحياة العامة والاعتقالية.. منتقلاً بعد ذلك إلى قواعد العمل التنظيمي مفصّلاً القول في القيادة الجماعية.. والمركزية الديمقراطية.. والالتزام.. والانضباط.. والنقد والنقد الذاتي.. والمساءلة والمحاسبة.. والحزم والعدل. مستعرضاً بعد ذلك أسس العمل التنظيمي، ومن هذه الأسس الأخوّة، والمحبة، والتسامح. مشيراً إلى دور الهيئات القيادية في نجاح التنظيم، مبيناً أهم صفات القائد الناجح، والقيادة الناجحة. موضحاً بعد ذلك كيفية صياغة القرار أو اتخاذه مختتماً ذلك بقوله:" فلنمارس معاً هذا الحق، ولنقم بهذا الدور.. فليس هناك أخطر على التنظيم أو المؤسسة من العنصر الصامت، أو الخائف، أو اللامبال.. وقد قيل قديماً: إن المجرم الأول بحق الوطن هو المواطن الصامت. فلنبادر كعناصر إلى اقتراح كل ما من شأنه أن يفيد واقعنا، ويوسع مداركنا، ويخدم أهدافنا".

    بعد ذلك يدخل حسام خضر في صلب موضوعه"فلسفة القرار التنظيمي" ليقول:" إن معرفة العضو بالنظم والنظام والحقوق والواجبات تؤهله لممارسة دوره على أكمل وجه.. كما أن معرفته بصلاحيات الأطر القيادية والقادة تؤهله لممارسة دور الرقابة الحركية التنظيمية، وبالتالي ممارسة عملية النقد والمساءلة والمحاسبة أمام أي تقصير أو تقاعس عن أداء الواجب، والقيام بالمهمات المطلوبة، وإنجاز الدور المنوط به.. وإذا ما عرف العنصر ذلك فإن ثقته بنفسه سوف تتعزز، وسيرتقي بالتالي دوره بالقيام بواجبه التنظيمي على أكمل وجه.

    وإذا أقر التنظيم لائحة داخلية تنظم الواقع الحياتي لعناصره في الخلايا (الغرف) من حيث العلاقات الأخوية، والوطنية، وأمور النظام، والنظافة، والترتيب، والحقوق التي له، والواجبات التي عليه، وما إلى ذلك فإنه سيدرك بما لا يدع مجالاً للتردد ضرورة التقيد بها، والمسارعة إلى تنفيذها على أكمل وجه ممكن، وسينفّذ كل ما هو منوط به من أعمال والتزامات، وسيعمل على مراقبةٍ آليّةٍ بحكم النظام، وسيعم  الانسجام والتوافق والوئام جو العلاقات الأخوية.

    وإذا ما صدر قرار بضرورة عقد الجلسات والانتظام بها، وأدرك العنصر الهدف من هذا القرار، فإنه سيتوصل إلى نتيجة حتمية مفادها أن الوعي والعلم والمعرفة هي رأسمال ينمو للأسير على مدى الأيام، وأن هذا الرصيد لا غنى عنه لأنه أساس الانطلاق الفكري والانعتاق من أسر الجهالة والجهل، والاطلاع بالتالي على تجارب الشعوب والأحزاب والحركات عبر التاريخ، والوقوف على تاريخ ثورته وحركته ونجاحاتها وإخفاقاتها بما يمنع تكرار الخطأ أو العودة بالتجربة إلى عشوائية مبدأ الصح والخطأ والثمن المترتب عليه.

    وإذا ما أدركت أيها الثائر المناضل، أن فلسفة ما تقف خلف كل قرار أو حكم أو سياسة تنظيمية فسرعان ما سيزول ثقل التنفيذ والالتزام.

    كذلك تكمن فلسفة اتخاذ القرار في عملية التعريف بالقانون أو القرار نفسه، وبالتالي تحمل نتائج عدم تنفيذه وتبعاتها والتهيؤ لتلقي العقوبة التي هي حتما عادلة لأنها بحجم الجرم أو الخطأ أيا كان حجمه وسببه، ولأنها تهدف إلى منع تكرار الخطأ والممارسات الخاطئة، وضمان أمن التنظيم واستقراره، وتوفير المناخ الملائم الذي تنمو فيه الحقوق إلى جانب الواجبات في بستان التنظيم.

    وإذا ما  عرف العنصر أن الألفاظ البذيئة تُمنع بهدف حماية كرامة العنصر والعناصر، ومن أجل وضع حل وقائي لمشاكل قد تقع نتيجة ممارسة هذه الكلمات النابية والجارحة، فإنه سيبدأ بتمرين نفسه وعقله، وضبط لسانه من أجل عدم التلفظ بها..

    وإذا ما عرف العنصر وأدرك أن قضية إقرار النظام، وفلسفة الحكم والقرار لا تنطلق أساسا من الممنوع والمسموح به، بل تنطلق من مصلحة العنصر ذاته، وضمان حقوقه وكرامته، فإنه لن ينظر إلى أي من القرارات على أنها ممنوع، وممنوع، وممنوع.

    ينتقل حسام خضر بعد ذلك ليكتب في "عوامل انهيار التنظيم" التي يعزوها إلى : الشللية، والبلدية، والجهل، والمجاملة، والثرثرة، والتذمر. وهذا هو الفصل الأخير من هذه الدراسة.

    راجياً لحسام، ولكافة أسرى الحرية إفراجاً سريعاً، وعودة كريمة إلى بيوتهم، وعائلاتهم، وأعمالهم، وحياتهم العادية الحرة العزيزة.. مطالباً كل من يعنيهم الأمر بضرورة العمل الجادّ السريع من أجل إغلاق هذا الملف.. وإطلاق سراح كافة أسرى الحرية.

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com