حركة فتح: الانتخابات ومأزق المرشحين

 بقلم: عبد الرحمن سالم

 باحث في الحركات السياسية

الحديث حول الانتخابات والديمقراطية في الشرق الأوسط أصبح ظاهرة يومية, ومطلبا ملحا يحتاج إلى حلول واقعية، ونجد تعبيرات وأشارات قوية تدلل على صحة هذا الافتراض وتحديدا ما يحدث الآن في لبنان بعد اغتيال الحريري، والانتخابات العراقية العرجاء والمظاهرات المصرية وعلى رأسها حركة " كفاية" ، والدعوة إلى مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والتشريعية في كثير من دول الخليج، إضافة للأصوات الجريئة التي بدأت تظهر في سوريا وليبيا والمغرب وتونس والجزائر والتي تطالب بالديمقراطية والمشاركة السياسية.

في هذا السياق تأتي المطالبات الشعبية الفلسطينية التي أعطت نموذجا مميزا في عملية انتخاب رئيس جديد للسلطة الفلسطينية بعد وفاة الزعيم التاريخي ياسر عرفات، وربما أن السياق ذاته والشروط ذاتها التي أدت إلى تعالي الأصوات المطالبة بالديمقراطية، وأيضاً التخوفات هي ذاتها من سيطرة الإسلام السياسي على مقاليد الأمور عبر صناديق الاقتراع( بعيداً عن المحاولات التقليدية التي تأخذ منحى عنيفًا) ، وهذا عائد لمجموعة ضخمة من الأسباب كالفساد المستشري، وإخفاق برامج التنمية وتشديد الرقابة على الحريات، ومشكلات الفقر والبطالة، والعجز عن فهم الشباب واحتياجاتهم، إضافة إلى ضرب حركات الإسلام السياسي على وتر الدين، رغم كونها لن تخرج عن الإطار السياسي الذي يحكم العملية السياسية في الشرق الأوسط، بل إنها لم تمتلك إجابات ولا حلولاً حقيقية للمشكلات، لكن التعاطف الشعبي الكبير معها عائد إلى سببين: أولهما اعتمادها على الخطاب الديني الذي يمثل الجاذب الأكبر للعقول والقلوب، وثانيهما أن رد فعل الناس ضد السلطة قد يترجم بالتوجه نحو الخيار الإسلامي الديني- الغيبي.

        داخل حركة فتح هناك نقاشات حادة حول هذه المعضلة،وأسئلة كبرى تطرح داخل غرف صناعة القرار في هذه الحركة، ولعل السؤال المركزي الذي تبحث حركة فتح عن إجابه له هذه الأيام هو كيف يمكن الحفاظ على وحدة الحركة بعد غياب الكوفية العرفاتية ؟، بمعنى آخر كيف يمكن جمع أبناء هذه الحركة بمختلف توجهاتهم العقائدية والثقافية والأيديولوجية، والفكرية وبمختلف الأصول الاجتماعية( مدينة قرية مخيم )، وكيف يمكن الجمع بين الرديكاليين داخل الحركة والبراغماتيين، وبين الإصلاحيين والمحافظين، بين الحرس القديم والحرس الجديد، بين دعاة التسوية بالحد الأدنى ودعاة التسوية بالحد الأقصى، هذه الأسئلة وما نتج عنها من ثنائيات واعتراضات وانقسامات، تعصف بحركة فتح من رأسها وحتى أصغر خلية فيها، والأمر الخطير أيضا هو أن فتح عاجزة عن مواجهة المد الشعبي  لحماس التي أصبحت تملك إرثا نضاليا تماما كفتح، ولديها جيش من المقاتلين والشخصيات التي تعتبر بنظر الناس محترمة ومقبولة اجتماعيا، في المقابل حركة فتح تجد نفسها عاجزة عن إيجاد الند المناسب، فهي عادة ما تقدم مرشحين لا يوجد لديهم تعاطف جماهيري داخل حركة فتح ذاتها، أو متهمين بفساد أو في أقل الاحتمالات أشخاصاً تم تجريبهم في المرحلة السابقة ولم ينجحوا.

الشيء المؤكد والمحير والصاعق في ذات الوقت أن حماس تبدو أكثر براغماتية وعقلانية من فتح في مسألة تعاطيها مع الانتخابات وطموحات الناس، وهذا يدلل على ذكاء سياسي ونضج وإدراك عميق للمرحلة وما هو المطلوب، في حين أن فتح لا زالت تناقش مسائل قد تجاوزتها حركة حماس.، وهذا يجعل الفرص أمام حركة فتح غاية في الضعف والضيق أمام المد الحمساوي، والأخطر أن هناك كثيراً من التحليلات الاستراتيجية التي بدأت تتحدث عن نهاية حركة فتح في هذا العقد إذا لم تحدث ثورة داخلية وتجدد دماءها وفكرها وبرنامجها وربما من السهل صياغة البرنامج والفكرة ولكن الصعوبة تكمن بمن سيحملون هذا البرنامج أو المشروع أو الفكرة، وبالتأكيد أن حركة فتح تمتلك أعداداً لا بأس بها من الكوادر المطحونة والمقهورة والساخطة، وقد آن الأوان لهذه الكوادر أن تأخذ دورها الطبيعي في المعركة المحتدمة وفي قيادة الحركة.

هناك اسمان يتم تداولهما بشكل مكثف هذه الأيام داخل الأروقة المغلقة لحركة فتح وهما مروان البرغوثي وحسام خضر، والحديث يدور عن أن الفرصة الأفضل للحركة في تحقيق نتائج مرضية تكمن في وضع هذين الأسيرين النائبين في رأس قائمة مرشحي الحركة، باعتبارهما الرافعة الحقيقية للحركة في هذه المرحلة، ومعلوم أن البرغوثي وخضر هما من الجيل الثاني داخل حركة فتح، متعلمان، من أصول اجتماعية قريبة من الفئات والشرائح الأكثر فقرا وتهميشا  ( القاعدة الأوسع ) ولهما تجربة مميزة في العمل السري والجماهيري في ظل الانتفاضة الأولى، وكللاهما ساهم في تأسيس شبيبة حركة فتح في الضفة الغربية في أوساط الطلبة والعمال والفلاحين واللاجئين وسكان المدن ، ثم أُبعدا إلى تونس وَعادا بعد اتفاق أوسلو، وكلا البرغوثي وخضر شرعا في العمل بعد عودتهما على قضيتين أساسيتين: البرغوثي ركز على إعادة صياغة العلاقات التنظيمية داخل حركة فتح، وحسام خضر شن حربا بلا هوادة على الفساد وهو صاحب نظرية الفساد والاحتلال وجهان لعملة واحدة، وكلاهما مثل نداًًّ حقيقياً وقائدا له ثقل وحضور وتعاطف شعبي عارم، وكلاهما قريب من نبض الشارع وهموم المواطن واحتياجاته والبرغوثي وخضر كلاهما ساهم وشارك بشكل فاعل في تأجيج نار الانتفاضة والمقاومة، وهما الآن الوحيدان من قيادة حركة فتح اللذان يدفعان الثمن داخل سجون الاحتلال وزنازينه .

الذي تلمسه من كلام حول هذين الرجلين أنهما غير متهمين بفساد بل هما أول من حاربه، وهما يحظيان باحترام عال داخل الحركة وخصوصا من الشباب، وعائلات مقاتلي الحركة، وهما أيضا يحظيان باحترام عالي لدى كل الفصائل الأخرى وخصوصاً لدى حركة حماس، ومن الصعب جداًّ على مرشحي حماس الطعن بصدقهما أو إخلاصهما أو صدق انتمائهما.

لا شك أن أزمة حركة فتح وبعض فصائل العمل الوطني الفلسطيني في اختيار مرشحين على درجة مقبولة من التأثير على جمهور الناخبين الفلسطينيين ستزداد كلما اقترب موعد إجراء الإنتخابات التشريعية، إن لم تجد حلاً سريعاً لهذه المعضلة الكبيرة التي تكاد تعصف بها من الداخل، فالمطلوب هو دعم الكفاءات الوطنية المخلصة والمجرّبة وذات التاريخ النظيف البعيدة عن الشبهات، وهي بالمناسبة كثيرة ولكن ما يطفو على السطح يبدو غير ذلك.

 

 

الصفحة الرئيسية | حسام في سطور | السيرة الذاتية مقابلات صحفية | مقابلات تلفزيونية | حوارات حية | بيانات | وجهة نظر | مَشاهِد  | مقالات حرة  | روابط   | دفتر الزوار | صور | اللجنة الشعبية للتضامن مع النائب حسام خضر | تعريف باللجنة | ليلة الاعتقال | آخر الاخبار | بيانات اللجنة | نشاطات اللجنة  | الاعتقال في الصحافة| بيانات تضامنية | التوقيع |التقارير الاعلامية دخول اداريين | English | |

تصميم وتطوير: ماسترويب

أفضل عرض للصفحة هو 800*600 فما فوق

للمراسلة info@hussamkhader.org

           freekhader@hotmail.com