الصفحة الرئيسية

 

انضموا الى صفحة الفيسبوك

   *   علاقة حركة حماس بالإخوان المسلمين بعد تولي الأخيرة الحكم بمصر من خلال سلسلة من الاحداث بين الفريقين (طلبة تخصص الاعلام بجامعة النجاح الوطنية نموذجا) إعداد أنوار ايمن حاج حمد    *   في لقاء مع جريدة القدس الفلسطينية    *   الاحتلال يفرج عن النائب حسام خضر بعد اعتقال دام 15 شهرا    *   من كل قلبي اشكر كل من تكبد عناء السفر وجاء ليهنئني في تحرري من الاسر ويشاركني فرحة الحرية    *   تهنئ لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين جماهير شعبنا الفلسطيني بالإفراج عن:    *   أتوجه لكم يا أبناء شعبنا الفلسطيني البطل أنا حسام خضر ..    *   حسام خضر الفتحاوي العنيد .. يتوقع إنتفاضة ثالثه..و يشاكس الحريّة.    *   تجديد الاعتقال الإداري للمرة الثالثة بحق النائب الأسير حسام خضر 6 أشهر أخرى .    *   

لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين

مركز يافا الثقافي

الحرية للأسير القائد حسام خضر


ليلة الإعتقال


للنكبة طعم العلقم في حلوقنا


خاطرة من وحي الاعتقال


موت قلم


لا يوجد تصويتات جديدة حالياً نتائح آخر تصويت

هل تتوقع اتمام المصالحة بعد انتخاب الرئيس المصري الجديد محمد مرسي؟

نعم: 36.84 %
لا: 31.58 %
لا أعرف: 31.58 %

التصويت من تاريخ 04/08/2012
الى تاريخ 04/12/2012
مجموع التصويتات: 57

القدس - حقائق واخبار
New Page 1

أنا والقدس وهزيمة حزيران

09/03/2010 16:39:00

 

أنا والقدس وهزيمة حزيران

 

محمود شقير

 

قبل الهزيمة

 

     هي المدينة الأولى التي تفتحت عليها عيناي.

      ولم تكن القدس غريبة عني. أنا ابنها الذي عرفها منذ سنوات الطفولة، اصطحبني أبي معه مرات عديدة، وهو يذهب إليها أيام الجمعة لشراء حاجيات لبيتنا ولأداء الصلاة. يغير أبي  هويته من رئيس ورشة بالملابس الكاكية المدعوكة، إلى وجيه قروي يرتدي القمباز والعباءة المقصبة، وعلى رأسه كوفية بيضاء وعقال. يبدو بالوجاهة المستعادة ولو ليوم واحد كل أسبوع، كما لو أنه يحن إلى أيامه المنصرمة حينما كان مختاراً للعشيرة.  يصطحبني معه إلى المدينة أعرفها عن قرب، أجيل النظر في أسواقها وما فيها من حوانيت وبضائع، وأندهش من كثرة الناس الذين ينغلون مثل النمل في كل مكان.

      ظل أبي يصطحبني معه إلى أن شببت عن الطوق، فأصبحت أذهب إليها وحدي، أغوص في تفاصيلها على النحو الذي يرضيني. أتجول في شوارعها وأجوب أزقتها وأحياءها المختلفة، وقبيل غروب الشمس أغادرها عائداً إلى قريتي، أغادرها وأنا غير راغب في ذلك، فهي تزداد بهجة وجمالاً بعد الغروب، لكن انقطاع المواصلات بين المدينة والقرية مع حلول المساء، يضطرني إلى لملمة رغباتي رغماً عني، والعودة إلى القرية التي تموت فيها الحياة في أول الليل. لم أعرف سوى القليل عن ليل المدينة التي اعتادت شوارعها ومقاهيها ومطاعمها وفنادقها، أن تظل عامرة بالنشاط حتى منتصف الليل أو قبله بقليل.

     شكّلت القدس نافذة لي على المستقبل، وتهيأت لي فيها فرص للخروج من خواء القرية. اقتربت فيها من السينما والكتاب، تعرفت إلى المناضلين السياسيين ونشاط الأحزاب، أصبحت على تماس مع المسجد والكنيسة. القدس هي التي قادتني إلى الكتابة وإلى السياسة، هي التي أغنت شخصيتي  وفتحت عيني على كل جديد.

     ينم المشهد العام للمدينة منذ اللحظة الأولى عن طابعها العربي الإسلامي، ويكتسب الحضور العربي المسيحي فيها حيزاً بارزاً. إنها مدينة تعددية يتجاور فيها المسجد والكنيسة بانسجام، وأحياء البلدة القديمة داخل سورها العريق تشي بالتنوع الذي يجعل للمدينة رونقاً. أبوابها السبعة المفتوحة على كل الجهات، تتيح وفرة من الخيارات للداخلين إليها وللخارجين منها، وتعزز لديهم الإحساس بأنها مدينة قابلة لاستيعاب مختلف الثقافات.

     لعل هذا الإحساس أن يكون ملهماً لي لرؤية العالم من منظور أوسع.

     لكن الهزيمة التي حلت بالبلاد لم تمهلني كثيراً، ولم تمهل المدينة أيضاً.

 

أثناء الهزيمة

     دخلتها في الصباح.

     الصحف كلها تقريباً تشير إلى أن حرباً قد تقع.

    لم نسمح لأنفسنا بالتفكير في الهزيمة، لأن الشعارات الرنانة حجبت عن أعيننا حقيقة الوضع العربي.كانت مصر هي معقد الآمال وقبلة الأنظار، لم نكن نعرف شيئاً عن خفايا وضعها الداخلي.

     والقدس تنتظر ما ستأتي به الأيام.  

     مضيت إلى قاعة مدرسة تراسنطة في حارة النصارى ذلك الصباح، للمراقبة في امتحان الشهادة الثانوية. لم أعلم بنشوب الحرب إلا عند الساعة العاشرة والنصف، أي لحظة انتهاء الطلبة من الإجابة عن أسئلة الامتحان. غادرت القاعة مع غيري من المدرّسين والطلبة، وإذا نحن وجهاً لوجه أمام أخبار الحرب التي ابتدأت على الجبهة المصرية. مشيت في أسواق المدينة، الأسواق موحشة لخلوها من الناس، الحوانيت  أغلقت أبوابها، وكذلك المقاهي والمطاعم. اختفت السيارات التي اعتادت على نقل الركاب والمسافرين. إنها الحرب، تعطل سير الحياة العادية، وتضع المدينة وكل مَنْ فيها من بشر، وما فيها من أشياء، فوق كف المجهول.

     تذكرت البيت في تلك اللحظات المشحونة بالخوف والقلق.

     لا بد من العودة إلى البيت في أسرع وقت وبأية وسيلة ممكنة. الناس الذين كانوا يملأون أسواق المدينة في الصباح تلاشوا وذابوا، كلهم سارعوا في العودة إلى بيوتهم، للالتحاق بالزوجات والأولاد، أو بالأمهات والآباء، ولتقاسم المصير نفسه معهم. في زمن الحرب، قد لا يكون البيت نفسه مكاناً آمناً، قد يكون عرضة للخطر، ورغم ذلك، لا بد من العودة إليه، مهما بلغت الصعوبات ومهما تصاعد الخطر.

     بحثت عن سيارة تنقلني إلى البيت فلم أجد.

     ذابت السيارات كلها وانقرضت.

     قررت العودة إلى البيت ماشياً. مشيت في الشارع الذاهب نحو كنيسة ستنا مريم. بعد لحظات، بدأ إطلاق النار على القدس. كنت نهباً لمشاعر كثيرة متضاربة (سينهار كل شيء في غضون أيام،  ستضمحل الحياة الثقافية في المدينة، ستتوقف الصحيفة اليومية عن الصدور زمناً، سيرحل بعض الصحافيين والكتاب بعيداً بفعل الإحساس بالهزيمة، ستقوم سلطات الاحتلال بإبعاد بعضهم الآخر من البلاد، ستتوقف دور السينما عن عرض الأفلام إلى حين. ستنطوي المدينة على نفسها مثل أم حزينة، وستدخل في كابوس مفزع مهين).  أطرح على نفسي السؤال تلو السؤال: ماذا بوسعي أن أفعل في مثل هذا الوضع الذي يعلو فيه صوت الرصاص على أي صوت سواه؟ ماذا بوسعي أن أفعل، أنا المثقف الذي كتب كلاماً لم يجف حبره بعد، عن حب الوطن، عن ضرورة التضحية في سبيله؟ ما الذي يمكن للكلمات أن تفعله الآن أمام  هدير الدبابات ودوي المدافع؟  أغادر المدينة وأشعر أنني هشّ مثل عود جاف!

     أغذّ الخطى نحو البيت، ولا أحد في هذا الكون يقيم لي أي اعتبار.

     قلت في نفسي: كأن هذا الشعور هو المقدمات الأولى للهزيمة، كأنني أستشعر الهزيمة قبل أن تقع.

     أقترب من جبل المكبر، أبصر دخان القذائف وهي تنفجر فوق قمة الجبل. ها هي ذي المعركة تزحف نحو الجبل قريباً من بيتي، أصل البيت، أتأمله صامتاً متجهماً، أشفق عليه. أمكث مع أفراد الأسرة بعض الوقت، يعود أبي قادماً من الورشة. لا أبي يحفل بالورشة في مثل هذا الوضع، ولا أنا أحفل بالوظيفة. هذه الحرب تعيد تفكيك كل شيء بنيناه. (أتذكر حرباً سابقة قبل تسع عشرة سنة انتهت بمأساة) اعتقدت أن أبي سيقترح شيئاً مغايراً لما يدور في ذهني، اعتقدت أن لديه حلاً سيهبط عليه من مكان ما، بحيث نربح أنفسنا ونربح البيت في وقت واحد. لم يكن لديه حل. اقترح علينا أن نغادر البيت في الحال، لأنه لم يعد آمناً، أشعر بأنني أزداد هشاشة، وأنا أغادر البيت. أغادره  من دون اكتراث للمصير الذي قد يلقاه، أتنكر له ولسنوات طويلة من الألفة والاحتضان، أفرّ بجلدي باحثاً عن فرصة للنجاة. أترك البيت وحيداً  في انتظار الغزاة!

     والحرب تواصل زحفها اللدود. نتائجها الباهظة تزداد وضوحاً ساعة بعد ساعة، وأنا أواصل طرح الأسئلة على نفسي طوال أيام الحرب وما تلاها من أيام مريرة، أسئلة مزلزلة تنبع من الإحساس بالهامشية والهشاشة، وتتمركز حول انعدام الوزن وتعطل الفاعلية وتمزق الذات!

    كان عليّ أن أبحث عن إجابات.

     فالمدينة تئن تحت وطأة الهزيمة.

     وكان عليها أن تعيش معاناة مؤلمة ما زالت تعيشها حتى الآن.

بعد الهزيمة

 

     بعد هزيمة حزيران 1967  عدت إلى الأماكن نفسها.

     الأماكن التي كنت أجتازها  أثناء التوجه إلى القدس صحبة أبي وأنا طفل صغير. لم يكن الجزء الغربي من القدس قد انسلخ عنها آنذاك. ولم أكن قادراً لأيام وأسابيع على استيعاب الحالة التي وصلنا إليها جراء الهزيمة. رحت أتأمل الأماكن التي عرفتها في الطفولة وأنا مندهش مما يجري في هذه البلاد.

     على النقطة القصية من جبل المكبر، من جهة الغرب، يقع مبنى الكلية العربية التي خرّجت أجيالاً من المتعلمين الفلسطينيين (يستخدم مبنى الكلية الآن لنوم الطلبة الأجانب الملتحقين  بدورات تدريبية، ولنوم القادمين الجدد من الطلبة اليهود تمهيداً لنقلهم إلى أماكن إقامة ثابتة). وعلى جهة اليمين، في اتجاه باب الخليل، تقع في منحدر تحت سور القدس، جورة العناب، التي عاش فيها جزءاً من طفولته وصباه الأديب الفلسطيني الراحل جبرا ابراهيم جبرا.  الآن توجد دار للسينما هناك، دخلتها للمرة الأولى بعد عودتي من المنفى حينما ذهبت لمشاهدة فيلم "سجل اختفاء" للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان. أعجبتني سخريته من بعض مظاهر السلوك المتخلف الذي ما زال يطبع حياتنا بطابعه. 

     أما بركة السلطان التي تقع قريباً من سور البلدة القديمة، فقد خصصها الإسرائيليون لإقامة مهرجانات الرقص والغناء. وفي الطريق إلى بيتي، كانت مستوطنة "أرمون هانتسيف" التي يقيم فيها  مهاجرون جدد من يهود روسيا، تتمدد كالأخطبوط على يمين الشارع فوق أرضنا.

     والقدس بعد أربعة عقود على الهزيمة، أصبحت أكثر من أي وقت مضى، عرضة للتهويد.

 

 

 

 

 

 



  أضف تعليق
الاسم الدولة
التعليق

  تعليقات من الزائرين

جميع الحقوق محفوظة ماسترويب 2009
Email